الجمعة، 1 مارس 2024

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل سؤال : متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (واخشوني، واخشون) ؟

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل 

سؤال : متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (واخشوني، واخشون) ؟

يقول الدكتور فاضل أحسن الله جزاءه : هذا التعبير له نظائر في القرآن (اتّبعني، اتبعنِ، كيدوني، كيدونِ، أخّرتني، أخرتنِ) . أما إخشوني واخشونِ فوردت الأولى في سورة البقرة والثانية وردت في المائدة. عندما تحذّر أحدهم التحذير يكون بحسب الفِعلة قد تكون فِعلة شديدة. مثلاً لو أحدهم اغتاب آخر تقول له اتقِ ربك وقد يريد أن يقتل شخصاً فتقول له إتقي الله، فالتحذير يختلف بحسب الفعل إذا كان الفعل كبيراً يكون التحذير أشد. فعندما يُطهِر الياء يكون التحذير أشد في جميع القرآن عندما يُظهِر الياء يكون الأمر أكبر.

عندنا (إخشوني) إذن التحذير أكبر. ننظر السياق في الآية التي فيها الياء (واخشوني) (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة) هذه في تبديل القِبلة فجاءت اخشوني بالياء لأنه صار كلام كثير ولغط وإرجاف بين اليهود والمنافقين حتى ارتد بعض المسلمين، هذا تبديل للقِبلة (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) هي أمر كبير لذا قال (واخشوني) .

الآية الأخرى في سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ. (3)) هذا يأس وذاك إرجاف. هذا الموقف ليس مثل ذاك، هؤلاء يائسين فصار التحذير أقل. وفي الآية الثانية (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) ليس فيها محاربة ولا مقابلة فقال (واخشونِ) بدون ياء. إذن المواطن التي فيها شدة وتحذير شديد أظهر الياء. والحذف في قواعد النحو يجوز والعرب تتخفف من الياء لكن الله سبحانه وتعالى قرنها بأشياء فنية. مثال آخر في غير التحذير (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) بالياء (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران) بدون ياء. ننظر أي الذي يحتاج إلى اتّباع أكثر؟ الذي يدعو إلى الله على بصيرة أو مجرد أن يكون مسلماً فقط؟ لا شك أن الداعية ينبغي أن يكون متّبعاً أكثر في سلوكه وعمله لأنه داعية إلى الله ينبغي أن يكون مثلاً في سلوكه ومعرفته هذا يحتاج للياء (فاتبعوني) . المتبعين ليسوا كالدعاة الذين يحتاجون لاتّباع أكثر لذا قال (ومن اتبعني) أما عموم المسلمين فلا يعرفون إلا القليل من الأحكام. إذن موطن الدعوة إلى الله على بصيرة تحتاج لمقدار اتّباع أكثر فقال (فاتبعوني) بالياء .

(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون) وإبليس قال (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) الإسراء) بدون ياء. مَنْ من هذين الذين يطلبون التأخير هو في مصلحة نفسه؟ الأول لأنه قال (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) أما الثاني أي إبليس فليس في مصلحة نفسه وإنما (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) فلما كان الأمر لنفسه أظهر نفسه (أخرتني) . إضافة إلى أن (لولا) من أدوات الطلب والتحضيض، طلب صريح، (لولا وألا) من أدوات الطلب والتحضيض. (لئن) طلب ضمني، هذا شرط مسبوق بقسم، هذا طلب ضمني وليس طلباً صريحاً. أما لولا فهو طلب صريح (لولا أخرتني) . فلما كان الطلب صريحاً أظهر الياء صراحة ولما كان في الثانية إشارة إلى الطلب هو أشار إلى ضمير المتكلم (أخرتنِ) . إذن عند التصريح صرّح وعند الإشارة أشار. إذن إظهار الياء في المواطن الجلل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - محاضرات - الدكتور فاضل صالح السامرائي  (ص : 1089  )



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق