الأحد، 28 يناير 2024

حين تكون المرأة عاقلة الأعشى والمُحَلَّقُ ومن جميل قصص العرب

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
حين تكون المرأة عاقلة
الأعشى والمُحَلَّقُ ومن جميل قصص العرب
الشعر صناعة العرب وقد هابه الناس ، خوفاً من بيت سائر تحدى به الإبل، أو لفظة شاردة يضرب بها المثل، فقد رفع كثيراً من الناس ما قيل فيهم من الشعر بعد الخمول والإطراح، حتى افتخروا بما كانوا يعيرون به ووضع جماعة من أهل السوابق والأقدار الشريفة حتى عيروا بما كانوا يفتخرون به. فمن رفعه ما قيل فيه من الشعر بعد الخمول المحلق بن حنتم بن شداد وإنما سمّي محلّقا لأن حصانا له عضّه في وجنته فحلّق فيه حلقة. كان لأبي المحلّق شرف فمات وقد أتلف ماله، وبقي المحلّق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحلّتي برود حبرة كان يشهد فيهما الحقوق. أقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة، فنزل الماء الذي به المحلّق، فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه. فأقبلت عمّة المحلّق فقالت: يابن أخي! هذا الأعشى قد نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء، والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلّا رفعهم، ولم يهج قوما إلا وضعهم؛ فانظر ما أقول لك واحتل في زقّ من خمر من عند بعض التّجّار فأرسل إليه بهذه الناقة والزّقّ وبردي أبيك؛ فو اللّه لئن اعتلج الكبد والسّنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البردين، ليقولنّ فيك شعرا يرفعك به. قال: ما أملك غير هذه الناقة، وأنا أتوقّع رسلها . فأقبل يدخل ويخرج ويهمّ ولا يفعل؛ فكلّما دخل على عمّته حضّته وقيل زوجته ؛ حتى دخل عليها فقال: قد ارتحل الرجل ومضى. قالت: الآن واللّه أحسن ما كان القرى! تتبعه ذلك مع غلام أبيك - مولى له أسود شيخ - فحيثما لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبا عن الماء عند نزوله إيّاه، وأنّك لمّا وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه؛ فإنّ هذا أحسن لموقعه عنده. فلم تزل تحضّه حتى أتى بعض التّجار فكلّمه أن يقرضه ثمن زقّ خمر وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه؛ فوجّه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه فخرج يتبعه؛ فكلما مرّ بماء قيل: ارتحل أمس عنه، حتى صار إلى منزل الأعشى بمنفوحة اليمامة فوجد عنده عدّة من الفتيان قد غدّاهم بغير لحم وصبّ لهم فضيخا ( أسوء أنواع الخمر ) فهم يشربون منه، إذ قرع الباب فقال: انظروا من هذا؟ فخرجوا فإذا رسول المحلّق يقول كذا وكذا. فدخلوا عليه وقالوا: هذا رسول المحلّق الكلابيّ أتاك بكيت وكيت. فقال: ويحكم! أعرابيّ والذي أرسل إليّ لا قدر له! واللّه لئن اعتلج الكبد والسّنام والخمر في جوفي لأقولنّ فيه شعرا لم أقل قطّ مثله. فواثبه الفتيان وقالوا: غبت عنّا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ واللّحم والخمر ببابك، لا نرضى بدا منك. فقال: ائذنوا له؛ فدخل فأدّى الرسالة وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزّقّ والبردين بين يديه. قال: أقره السلام وقل له: وصلتك رحم، سيأتيك ثناؤنا./ وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقّوا خاصرتها عن كبدها وجلدها عن سنامها ثم جاءوا بهما، فأقبلوا يشوون، وصبّوا الخمر فشربوا، وأكل معهم وشرب ولبس البردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي معشق
ورأى المحلق اجتماع الناس، فوقف يستمع، وهو لا يدري أين يريد الأعشى بقوله، إلى أن سمع:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
ترى القوم فيها شارعين، وبينهم ... مع القوم ولدان من النسل دردق
لعمري قد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرق
ترى الجود يجري ظاهراً فوق وجهه ... كما زان متن الهندواني رونق
فانتشرت القصيدة وهنئه ، وأشرافهم من كل قبيلة وتسابقون إليه جرياً يخطبون بناته
يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ـــــــــــــــــــــــــ
العقد الفريد – ابن عبد ربه (6/ 177)
الأغاني – أبي الفرج الأصفاني(9/ 81)
المحاضرات في اللغة والأدب - اليوسي(ص: 16)
العمدة في محاسن الشعر وآدابه الأسدي (1/ 48)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق