السبت، 13 يناير 2024

بر الأبوين باب من أبواب رفع البلاء ومن رجل من بني إسرائيل ، وكلاب بن أمية بن الأسكر الكناني رحمه الله

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
بر الأبوين باب من أبواب رفع البلاء ومن رجل من بني إسرائيل ، وكلاب بن أمية بن الأسكر الكناني رحمه الله
قال الله تعالى : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦﴾ سورة عبس . وقال جلّ في علاه : يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴿١١﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ﴿١٢﴾ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ﴿١٣﴾ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴿١٤﴾ سورة المعارج . قال العلماء : في الآية الأولى ذكر الله أن المرء للخوف الذي يعتريه نتيجة قيام الساعة يمكن أن يهرب من كل قريب له حتى أمه وأبيه وفي الآية الثانية لم يذكر فيها الأم والأب والسبب أنه تصور موقف الحساب فالمرء هنالك ليس له الحق بأن يفتدي بأمه وأبيه لأنه سيحاسب عن بره بوالديه .
وقصص البر بالوالدين كثيرة منها ، كان رجل من بني إسرائيل له أربعة بنين، فمرض، فقال أحدهم: إما أن تمرضوا أبانا وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء ، فمرضه حتى مات ودفنه ولم يأخذ من ميراثه شيئاً، وكان فقيراً وله عيال، فأتي في النوم فيل له: إيت مكان كذا وكذا فاحفره تجد فيه مائة دينار فخذها، فقال للآتي في المنام: ببركة أو بلا بركة؟ فقال: بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت: اذهب فخذها فإن من بركتها أن تكسوني منها ونعيش منها. فأبى وقال: لا آخذ شيئاً ليس فيه بركة. فلما أمسى أتي في منامه فقيل له: إيت مكان كذا وكذا فخذ منه عشرة دنانير، فقال: ببركة أو بلا بركة؟ قال: بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت له مثل ذلك فأبى أن يأخذها، ثم أتي في الليلة الثَّالثة فقيل له: إيت مكان كذا وكذا فخذ منه ديناراً، فقال: ببركة أو بلا بركة؟ قال: ببركة، قال، نعم إذا، فلما أصبح ذهب إلى ذلك المكان الذي أشير إليه في المنام فوجد الدينار فأخذه، فوجد صياداً يحمل حوتين فقال: بكم هما؟ قال: بدينار، فأخذهما منه بذلك الدينار ثم انطلق بهما إلى امرأته فقامت تصلحهما، فشقت بطن أحدهما فوجدت فيه درة لا يقوم بها شيء، ولم ير الناس مثلها، ثم شقت بطن الآخر فإذا فيه درة مثلها، قال: فاحتاج ملك ذلك الزمان درة فبعث يطلبها حيث كانت ليشتريها، فلم توجد إلا عنده، فقال الملك: إيت بها، فأتاه بها، فلمَّا رآها حلاها الله عز وجل في عينيه، فقال: بعنيها، فقال: لا أنقصها عن وقر ثلاثين بغلاً ذهباً، فقال الملك؟ ارضوه، فخرجوا به فوقروا له ثلاثين بغلاً ذهباً، ثم نظر إليها الملك فأعجبته إعجاباً عظيماً، فقال: ما تصلح هذه إلا بأختها، اطلبوا لي أختها، قال: فأتوه فقالوا له: هل عندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قال وتفعلون؟ قالوا: نعم.
ولما وجه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الجيش إلى اليرموك قام إليه أمية بن الأسكر الكناني فقال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني. فقام إليه ابنه كلاب، وكان عابداً زاهداً، فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع الله نفسي وأبيع دنياي بآخرتي. فتعلق به أبوه وكان في ظل نخل له وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتى إذا احتاجا إليك تركتهما! فقال: نعم أتركهما لما هو خير لي. فخرج غازياً بعد أن أرضى أباه، فأبطأ وكان أبوه في ظل نخل له، وإذا حمامة تدعو فرخها، فرآها الشيخ فبكى، فرأته العجوز فبكت، وأنشأ يقول:
لمن شيخان قد نشدا كلاباً ... كتاب الله إن ذكر الكتابا
أناديه ويعرض لي حنينٌ ... فلا وأبي كلابٌ ما أصابا
تركت أباك مرعشةً يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإن أباك حين تركت شيخٌ ... يطارد أينقاً شزباً جذابا
طويلاً شوقه يبكيك فرداً ... على حزنٍ ولا يرجو الإيابا
فبلغت هذه الأبيات عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأرسل إلى كلاب فوافاه فقال: إنه بلغني أن أباك وجد لفراقك وجداً شديداً فبماذا كنت تبره؟ قال: كنت أبره بكل شيء حتى أني كنت أحلب له ناقة فإذا حلبتها عرف حلبي. فأرسل عمر، رحمه الله، إلى الناقة فجيء بها من حيث لا يعلم الشيخ فقال له: احلبها. فقام إليها وغسل ضرعها ثم حلبها في إناء. فأرسل عمر، رحمه الله، بالإناء إلى أبيه فلما أُتي به بكى ثم قال: إني أجد في هذا اللبن ريح كلاب. فقال له نسوة كن عنده: قد كبرت وخرفت وذهب عقلك، كلاب بظهر الكوفة وأنت تزعم أنك تجد ريحه! فأنشأ يقول:
أعاذل قد عذلت بغير علمٍ ... وهل تدري العواذل ما ألاقي
سأستعدي على الفاروق رباً ... له حجُّ الحجيج على اتساق
يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ــــــــ
المحاسن والمساوئ - محمد البيهقي (ص: 234)
البداية والنهاية – الإمام ابن كثير (9/ 268)
قال الله تعالى : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦﴾ سورة عبس . وقال جلّ في علاه : يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴿١١﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ﴿١٢﴾ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ﴿١٣﴾ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴿١٤﴾ سورة المعارج . قال العلماء : في الآية الأولى ذكر الله أن المرء للخوف الذي يعتريه نتيجة قيام الساعة يمكن أن يهرب من كل قريب له حتى أمه وأبيه وفي الآية الثانية لم يذكر فيها الأم والأب والسبب أنه تصور موقف الحساب فالمرء هنالك ليس له الحق بأن يفتدي بأمه وأبيه لأنه سيحاسب عن بره بوالديه .
وقصص البر بالوالدين كثيرة منها ، كان رجل من بني إسرائيل له أربعة بنين، فمرض، فقال أحدهم: إما أن تمرضوا أبانا وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء ، فمرضه حتى مات ودفنه ولم يأخذ من ميراثه شيئاً، وكان فقيراً وله عيال، فأتي في النوم فيل له: إيت مكان كذا وكذا فاحفره تجد فيه مائة دينار فخذها، فقال للآتي في المنام: ببركة أو بلا بركة؟ فقال: بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت: اذهب فخذها فإن من بركتها أن تكسوني منها ونعيش منها. فأبى وقال: لا آخذ شيئاً ليس فيه بركة. فلما أمسى أتي في منامه فقيل له: إيت مكان كذا وكذا فخذ منه عشرة دنانير، فقال: ببركة أو بلا بركة؟ قال: بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت له مثل ذلك فأبى أن يأخذها، ثم أتي في الليلة الثَّالثة فقيل له: إيت مكان كذا وكذا فخذ منه ديناراً، فقال: ببركة أو بلا بركة؟ قال: ببركة، قال، نعم إذا، فلما أصبح ذهب إلى ذلك المكان الذي أشير إليه في المنام فوجد الدينار فأخذه، فوجد صياداً يحمل حوتين فقال: بكم هما؟ قال: بدينار، فأخذهما منه بذلك الدينار ثم انطلق بهما إلى امرأته فقامت تصلحهما، فشقت بطن أحدهما فوجدت فيه درة لا يقوم بها شيء، ولم ير الناس مثلها، ثم شقت بطن الآخر فإذا فيه درة مثلها، قال: فاحتاج ملك ذلك الزمان درة فبعث يطلبها حيث كانت ليشتريها، فلم توجد إلا عنده، فقال الملك: إيت بها، فأتاه بها، فلمَّا رآها حلاها الله عز وجل في عينيه، فقال: بعنيها، فقال: لا أنقصها عن وقر ثلاثين بغلاً ذهباً، فقال الملك؟ ارضوه، فخرجوا به فوقروا له ثلاثين بغلاً ذهباً، ثم نظر إليها الملك فأعجبته إعجاباً عظيماً، فقال: ما تصلح هذه إلا بأختها، اطلبوا لي أختها، قال: فأتوه فقالوا له: هل عندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قال وتفعلون؟ قالوا: نعم.
ولما وجه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الجيش إلى اليرموك قام إليه أمية بن الأسكر الكناني فقال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني. فقام إليه ابنه كلاب، وكان عابداً زاهداً، فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع الله نفسي وأبيع دنياي بآخرتي. فتعلق به أبوه وكان في ظل نخل له وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتى إذا احتاجا إليك تركتهما! فقال: نعم أتركهما لما هو خير لي. فخرج غازياً بعد أن أرضى أباه، فأبطأ وكان أبوه في ظل نخل له، وإذا حمامة تدعو فرخها، فرآها الشيخ فبكى، فرأته العجوز فبكت، وأنشأ يقول:
لمن شيخان قد نشدا كلاباً ... كتاب الله إن ذكر الكتابا
أناديه ويعرض لي حنينٌ ... فلا وأبي كلابٌ ما أصابا
تركت أباك مرعشةً يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإن أباك حين تركت شيخٌ ... يطارد أينقاً شزباً جذابا
طويلاً شوقه يبكيك فرداً ... على حزنٍ ولا يرجو الإيابا
فبلغت هذه الأبيات عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأرسل إلى كلاب فوافاه فقال: إنه بلغني أن أباك وجد لفراقك وجداً شديداً فبماذا كنت تبره؟ قال: كنت أبره بكل شيء حتى أني كنت أحلب له ناقة فإذا حلبتها عرف حلبي. فأرسل عمر، رحمه الله، إلى الناقة فجيء بها من حيث لا يعلم الشيخ فقال له: احلبها. فقام إليها وغسل ضرعها ثم حلبها في إناء. فأرسل عمر، رحمه الله، بالإناء إلى أبيه فلما أُتي به بكى ثم قال: إني أجد في هذا اللبن ريح كلاب. فقال له نسوة كن عنده: قد كبرت وخرفت وذهب عقلك، كلاب بظهر الكوفة وأنت تزعم أنك تجد ريحه! فأنشأ يقول:
أعاذل قد عذلت بغير علمٍ ... وهل تدري العواذل ما ألاقي
سأستعدي على الفاروق رباً ... له حجُّ الحجيج على اتساق
يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ــــــــ
المحاسن والمساوئ - محمد البيهقي (ص: 234)
البداية والنهاية – الإمام ابن كثير (9/ 268)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق