الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

كل ممنوع مرغوب

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كل ممنوع مرغوب

يفسرها الجاحظ رحمه الله بالشهوات التي فطر عليها الانسان، كلما منعت من حاجتها ازدادت رغبتها فيه. كالشهوة الى الطعام والشراب . والطبائع تتشابه، ولكل حاسة قوة، فاذا امتلأت تلك القوة من محسوسها لم تجد لها وراءه طمعا ولا ريحا وعليها بالضر . فالمنع يضرم نار الشهوة، والافراط في اشباع الشهوة يورث التخمة والضرر.

وإذا أردنا أن نعلم: لم صار الإنسان على ما منع- وإن كان لا ينفعه- أحرص منه على ما أبيح من غير علّة ولا سبب إلّا امتهان ما كثر عليه، واستطراف ما قلّ عنده؟ ولم أقبل على من ولّى عنه وولّى عمّن أقبل عليه؟ ولم قالوا: إذا جدّت المسألة جدّ المنع؟ وقال الشاعر:

الحرّ يلحى والعصا للعبد ... وليس للملحف مثل الرّدّ

وحين يتمنّى المرء الشّيء وينذر لبلوغه النّذور، ويتقطّع إليه شوقا، فإذا ظفر به صدّ عنه وأخلق عنده . الله تبارك وتعالى جعل لكلّ نفس مبلغا من الوسع لا يمكنها تجاوزه، فإنّ صنوف الشهوات كثيرة، ولكلّ صنف منها أهل لا يحفلون بما سواه. وتتعجّب من الغريب النادر، ويضحكها الجديد الطارئ. إلا أنّه إذا كثر الغريب صار قريبا، وأعظم الأشياء عند النفس قدرا ما اشتدّ إليه الحاجة وإن قلّ قدره، وأهونها عليها ما استغني عنه وإن عظم خطره.

وقد أحسن ابنُ الجهيم حيث يقول واصفا أهل الشهوات :

فأطلق يداً في بيته بتفضُّلِ، ... وعَدِّ عن المولى، وما شئت فافعلِ

أشِر بيدٍ واغمز بطرفٍ ولا تَخَفْ ... رقيباً، إذا ما كنت غير مبخَّلِ

وولّ عن المصباح، والحَ، وذمّهُ، ... فإن خمد المصباح، فادنُ وقبِّلِ

وسل غير ممنوعٍ وقلْ غير مسكَتٍ، ... ونم غير مذعورٍ وقُم غير معجَلِ

لك البيت ما دامت هداياك جمَّةً، ... وكنتَ مليّاً بالشراب المعسَّل

تُصان لك الأبصار عن كل نظرةٍ، ... ويُصغى إليكم بالحديث المقاقَلِ

والشهوات أضلت الكثيرين ولعلها كانت أحد أشد الأسباب التي جرت البلاء إلينا

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــ

الرسائل الأدبية - للجاحظ(ص: 97)

الموشى = الظرف والظرفاء – الوشاء (ص: 119)

 

يلحى : يُقَالُ رَجُلٌ ألْحَى وَامْرَأَةٌ لَحْوَاءُ: وَهُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ فِي الْبَاطِلِ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ

الملحف : الذي يتستر بالسؤال

ابن قيم الجوزية 691 - 751 هـ / 1292 - 1349 م

محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرعي الدمشقي، أبو عبد اللّه، شمس الدين.

من أركان الإصلاح الإسلامي، وأحد كبار العلماء، مولده ووفاته في دمشق، تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ما يصدر عنه. وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه، وسجن معه في قلعة دمشق، وأهين وعذب بسببه، وطيف به على جمل مضروباً بالعصي، وأطلق بعد موت ابن تيمية، وكان حسن الخلق محبوباً عند الناس، أغري بحب الكتب، فجمع منها عدداً عظيماً، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً.

وألف تصانيف كثيرة منها (إعلام الموقعين)، و(الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)، و(شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل)، و(مفتاح دار السعادة)، و(زاد المعاد)، ولمحمد أويس الندوي كتاب (التفسير القيم، للإمام ابن القيم).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق