الاثنين، 17 مايو 2021

من زرع الْإِثْم حصد الدمار

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

من زرع الْإِثْم حصد الدمار

هو مثل عربي والأمثلة في هذا المجرى كثيرة ، منها : من زرع العدوان حصد الخسران . وفي المعرة عندنا يقولون : اللي بتطبخ منّو بتاكو منو . حَدث عبيد الله بن مُحَمَّد بن الحفا ، قَالَ: حَدثنِي رجل من أهل الْجند، قَالَ: خرجت من بعض بلدان الشَّام، وَأَنا على دَابَّة لي، وَمَعِي خرج لي، فِيهِ ثِيَاب ودراهم. فَلَمَّا سرت عدَّة فراسخ؛ لَحِقَنِي الْمسَاء، وَأنا على مشارف دير عَظِيم، فِيهِ رَاهِب فِي صومعة. وحين رآني َنزل واستقبلني، وسألني الْمبيت عِنْده، وَأَن يضيفني، فَفعلت. فَلَمَّا دخلت الدَّيْر؛ لم أجد فِيهِ غَيره، فَأخذ دَابَّتي، وَطرح لَهَا شَعِيرًا، وعزل رحلي فِي بَيت، وَجَاءَنِي بِمَاء حَار، وَكَانَ الزَّمَان شَدِيد الْبرد، وأوقد بَين يديّ نَارا، وَجَاءَنِي بِطَعَام طيب، من أَطْعِمَة الرهبان، فَأكلت. وَمَضَت قِطْعَة من اللَّيْل، فَأَرَدْت النّوم، فَقلت: أَدخل المستراح، قبل أَن أَنَام، فَسَأَلته عَنهُ، فدلني على طَرِيقه، وَكُنَّا فِي غرفَة. فَلَمَّا صرت على بَاب المستراح، إِذا بَارِية مطروحة، فَلَمَّا صَارَت رجلاي عَلَيْهَا نزلت بي فَإِذا أَنا فِي الصَّحرَاء، وَإِذا البارية قد كَانَت مطروحة تستر ما تحتها . وَكَانَ الثَّلج يسْقط فِي تِلْكَ اللَّيْلَة سقوطا عَظِيما، فَصحت، فَقُمْت وَقد تجرح بدني، إِلَّا أَنِّي سَالم، فَجئْت، واستظللت بطاق بَاب الدَّيْر من الثَّلج. فَمَا وقفت حينا حَتَّى رَأَيْت فِيهِ برابخ من فَوق رَأْسِي، وَقد جَاءَتْنِي مِنْهَا حِجَارَة، لَو تمكنت من دماغي لطحنته. فَخرجت أعدو، وَصحت بالراهب ، فشتمني، فَعلمت أَن ذَلِك من حيلته؛ طَمَعا فِي رحلي. فَلَمَّا خرجت؛ وَقع الثَّلج عَليّ، فَعلمت أَنِّي تَالِف إِن دَامَ ذَلِك عَليّ، فولد لي الْفِكر أَن طلبت حجرا فِيهِ ثَلَاثُونَ رطلا وَأكْثر ، فَوَضَعته على عَاتِقي تَارَة، وعَلى قفاي تَارَة، وَأَقْبَلت أعدو فِي الصَّحرَاء أشواطا، حَتَّى إِذا تعبت، وحميت وَجرى عرقي؛ طرحت الْحجر، وَجَلَست أستريح خلف الدَّيْر، من حَيْثُ يَقع لي أَن الراهب لَا يراني. فَإِذا أحسست بِأَن الْبرد قد بَدَأَ يأخذني؛ تناولت الْحجر، وسعيت من الدَّيْر، وَلم أزل على هَذَا إِلَى الْغَدَاة. فَلَمَّا كَانَ قبيل طُلُوع الشَّمْس، وَأَنا خلف الدَّيْر؛ إِذْ سَمِعت حَرَكَة بَابه، فتخفيت. فَإِذا بِالرَّاهِبِ قد خرج، وَجَاء إِلَى مَوضِع سقوطي، فَلَمَّا لم يرني دَار حول الدَّيْر يطلبني، وَيَقُول، وَأَنا أسمعهُ: ترى، مَا فعل الميشوم؟ أَظن اتجه للقرية القريبة من الدير ، فَقَامَ يمشي إِلَيْهَا، ويتحسر قائلا لقد فَاتَنِي سلبه، وَأَقْبل يمشي يطْلب أثري. قَالَ: فخالفته إِلَى بَاب الدَّيْر، حتى دخلته ، وهو يدور حول الدَّيْر، وأَنا خلف بَاب الدَّيْر، وَقد كَانَ فِي وسطي سكين، فوقفت خلف الْبَاب، فَطَافَ الراهب، وَلم يبعد. فَلَمَّا لم يقف لي على خبر؛ عَاد وَدخل، فحين بَدَأَ ليرد الْبَاب، وَخفت أَن يراني؛ ثرت عَلَيْهِ، ووجأته بالسكين، فصرعته ،وقتلته. وأغلقت بَاب الدَّيْر، وصعدت إِلَى الغرفة، فاصطليت بِنَار موقودة ، حتى دفئت، وَفتحت خرجي وأخرجت ، مِنْهُ ثيابًا جافة، وَأخذت كسَاء الراهب، فَنمت فِيهِ، فَمَا أَفَقْت إِلَى قريب من الْعَصْر. ثمَّ انْتَبَهت وَأَنا سَالم ، فطفت بالدير، حَتَّى وقفت على طَعَام، فَأكلت مِنْهُ، وسكنت نَفسِي. وَعثرت على مَفَاتِيح بيُوت الْحصن ، فَأَقْبَلت أفتح بَيْتا بَيْتا، فَإِذا بِمَال عَظِيم من عين، وورق، وَثيَاب، وآلات، ورحال قوم، واخراجهم. وَإِذا تِلْكَ عَادَة الراهب كَانَت مَعَ كل من يجتاز بِهِ وحيدا، ويتمكن مِنْهُ، فَلم أدر كَيفَ أعمل فِي نقل المَال، وَمَا وجدته. فَلَيْسَتْ ثِيَاب الراهب، وأقمت فِي مَوْضِعه أَيَّامًا، أتراءى لمن يجتاز بالموضع من بعيد، فَلَا يَشكونَ أنني هُوَ، وَإِذا قربوا مني لم أبرز بهم وَجْهي، إِلَى أَن خَفِي خبري. ثمَّ نزعت تِلْكَ الثِّيَاب، ولبست من بعض ثِيَابِي، وَأخذت جواليق، فملأتها مَالا، وحملتها على الدَّابَّة، ومشيت، وسقتها إِلَى أقرب قَرْيَة، واكتريت فِيهَا منزلا، وَلم أزل أنقل إِلَيْهَا كلما وجدته، حَتَّى لم أدع شَيْئا لَهُ قدر إِلَّا حصلته فِي الْقرْيَة. ثمَّ أَقمت بهَا إِلَى أَن اتّفقت لي قافلة، فَحملت على دَوَاب اشْتَرَيْتهَا، كل مَا كنت قد حصلت فِي الْمنزل. وسرت فِي جملَة النَّاس بقافلة عَظِيمَة لنَفْسي، بغنيمة هائلة، حَتَّى قدمت بلدي، وَقد حصلت لي عشرات أُلُوف من دَرَاهِم ودنانير، وسلمت من الْمَوْت.

والأمثلة في الحياة كثيرة ، وفد قيل من عمل شرا أوشك أَن يحصد ندامةً . ونحن لا نشك أن الذين كانوا سبباً في ما نحن فيه من بلاء سيحصدون شر ما فعلوا

ويا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــ

مفيد العلوم ومبيد الهموم (ص: 393)

الفرج بعد الشدة للتنوخي (3/ 389)

نثر الدر في المحاضرات – الآبي (1/ 293)

 

الحفا : السير حافيا

الفرسخ : 1 فرسخ  4.828 كيلو متر

المستراح : مكان قضاء الحاجة

البارية : قطعة من الجلد وقد تنسج من القصب يغطى بها البئر ، وقد تستخدم لوضع الطعام

بَرْبَخ: منفذ الماء ومجراه، أو فتحة عموديَّة ضيّقة في حائط أو سطح لتسهيل تصريف المياه وسواها .

الجوالق : أكياس أو جرار لوضع الحبوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق