الثلاثاء، 30 يوليو 2024

كل شيء وإلى أصله يعود

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كل شيء وإلى أصله يعود

كثر في هذا البلاء من غيروا جلود وظنوا أن ذلك بمقدورهم ، كان كالنساء التي تأبى أن تترك الزينة الظاهر على جسدها تتحلى بما لا يغير الخلق الأول لها ، إلا أن الزمن طال أم قصر لا وأن يُظهر ما خفي . ليتحلى من يشاء بلباس وليتجمل بحسن الخلق ، ولكن وفي المعرة يقولون : ع المحك ببان . قيل إن ملكا من ملوك فارس كان له وزير حازم مجرب، فكان يصدر عن رأيه ويتعرف اليمن في مشورته، ثم إنه هلك ذلك الملك وقام بعده ولد له، معجب بنفسه مستبد برأيه فلم ينزل ذلك الوزير منزلته ولا اهتبل رأيه ومشورته؛ فقيل له: إن أباك كان لا يقطع أمرا دونه. فقال: كان يغلط فيه، وسأمتحنه بنفسي. فأرسل إليه فقال له: أيهما أغلب على الرجل: الأدب أو الطبيعة؟ فقال له الوزير:

الطبيعة أغلب، لأنها أصل والأدب فرع، وكل فرع يرجع إلى أصله. فدعا الملك بسفرته، فلما وضعت أقبلت سنانير بأيديها الشمع فوقفت حول السفرة، فقال للوزير: اعتبر خطأك وضعف مذهبك؛ متى كان أبو هذه السنانير شماعا؟ فسكت عنه الوزير وقال: أمهلني في الجواب إلى الليلة المقبلة. فقال: ذلك لك. فخرج الوزير فدعا بغلام له، فقال: التمس لي فأرا واربطه في خيط وجئني به. فأتاه به الغلام، فعقده في سبنية وطرحه في كمه، ثم راح من الغد إلى الملك، فلما حضرت سفرته أقبلت السنانير بالشمع حتى حفت بها، فحل الوزير الفأر من سبنيته ثم ألقاه إليها؛ فاستبقت السنانير إليه ورمت بالشمع، حتى كاد البيت يضطرم عليهم نارا فقال الوزير: كيف رأيت غلبة الطبع على الأدب ورجوع الفرع إلى أصله؟ قال: صدقت، ورجع إلى ما كان أبوه عليه معه. فإنما مدار كل شيء على طبعه، والتكلف مذموم من كل وجه. قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: «وما أنا من المتكلفين» . وقالوا: من تطبع بغير طبعه نزعته العادة حتى ترده إلى طبعه، كما أن الماء إذا أسخنته وتركته ساعة عاد إلى طبعه من البرودة، والشجرة المرة لو طلبتها بالعسل لا تثمر إلا مرا.

العقد الفريد (2/ 320)

سبنية  : ضرب من الثِّيَاب يتَّخذ الْكَتَّان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق