الثلاثاء، 6 يونيو 2023

صورة من تاريخ الدبلوماسية في التاريخ العربي الإسلامي بين قازان ملك التتار والسلطان محمد قلاوون كيف هربتم منّا؟ أيها المصريون : قال قازان

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

صورة من تاريخ الدبلوماسية في التاريخ العربي الإسلامي

بين قازان ملك التتار والسلطان محمد قلاوون

كيف هربتم منّا؟ أيها المصريون : قال قازان

نحن هربنا مرة واحدة وعسكركم هرب منا ستين مرة : رئيس البعثة العربية

لقد زاد عدد الدول الإسلامي في القرون الماضية في بعض الأحيان عن المائة الصغيرة منها والكبيرة ، ولقد قامت بينها نفسها وبين الدول الأخرى علاقات دبلوماسية ، تقوى أو تضعف بحسب الظروف المتعلقة بالدولة . نستطلع الكثير مننها من بطون كتب التاريخ .

نحن الآن في القرن الثامن الهجري ، الرابع عشر الميلادي ، ولنا أن نذكر أن خطر المغول زاد في أواخر القرن السابع الهجري

حتى أنهم بلغوا الشام سنة 999 هـ وكسروا جيش مصر وهرب السلطان محمد بن قلاوون عند السلمية . ثم دخل التتر دمشق وقتلوا ونهبوا وهتكوا المحارم ثم عادوا من حيث أتوا . ومع هذا كانت الرسل تتوالى بين قازان ومحمد بن قلاوون

أرسل قازان بعثة دبلوماسية مؤلفة عشرين رجلا تحمل رسالة كلامية وأخرى مكتوبة ، وكان قازان يطمع في السيطرة على مصر ، ثم أرسل السلطان قلاوون بعثة رافقتها في العودة ردا على رسالة قازان وكان السلطان قلاوون عرض الجيش المصري أمام بعثة قازان ، وحتى لا نطيل سنعرض اللقاء بين قازان والبعثة المملوكية

بين يدى غازان

قال الأمير حسام الدين أزدمر المجيرىّ: لمّا حضرت بين يدى محمود غازان أوقفني بعيدا منه وكلمني من أربعة حجّاب. فكان أوّل كلامه لي: ما اسمك؟ -قلت: أزدمر. - قال: وما لقبك وأيش تعرف؟ -قلت: لقبى حسام الدين، وأعرف بالمجيرىّ. -فقال: أنتم لكم ثلاثة أسماء لكلّ واحد حتى تكثروا في العدّة. -قال المجيرىّ: فقبّلت الأرض وقلت: يحفظ الله القآن، نحن يشترونا التجّار من البلاد صغارا. ويجلبونا إلى الديار المصريّة، فيكون لنا اسم واحد. ثمّ ننتسب لاسم التاجر الذى يجلبنا ، فإذا كبرنا عاد لنا لقب. فالمملوك اسمه أزدمر، وكان اسم تاجري مجير الدين، فعرف المملوك بالمجيرىّ. فلمّا كبرت وصرت من الناس معروفا لقّبت حسام الدين. -قال المجيرىّ، فأسمعه يقول: صدق. ثمّ قلت: وإنّما ننسب للتاجر لكثرة تشابه أسماينا بعضنا ببعض، فما يفرّق بيننا إلا النسبة لتجّارنا الذين جلبونا. -فقال: أيش جنسك؟ -قلت: قفجق. - قال: صدق

ثمّ أمر بتقريبي إليه وكلمني من حاجب واحد، وذلك بعد مسايل كثيرة سألني وأنا أصدقه وأخرج له عن أجوبتها بمعونة الله تعالى. فمن جملة ذلك قال لي: ما محلّك عند ملك مصر؟ -قلت: جندي. -قال: جندي؟ -قلت: نعم. -قال: فنظر إلى الحاجب مغضبا وقال: قل له: ملك مصر يسيّر إلى مثلى جنديّا؟ ما أنت أمير عنده؟ - قلت: نعم. -قال: على بابك طبلخاناه؟ -قلت: نعم. -قال: فكيف تقول جندي؟ -قال: قبّلت الأرض وقلت: يحفظ الله القآن! والأمير جندي السلطان، والجندىّ جندي السلطان، ونحن عندنا كلمة تكون جندي، ما هو أمير، ونحن نفتخر باسم الجنديّة، وكلّنا جند الله عزّ وجلّ. قال: فأعجبه وعند ذلك الوقت قرّبنى. ثمّ قال: أنت مملوك هذا السلطان شراء ماله؟ -قلت: أنا مملوكه ومملوك أبوه وأخوه، وهو الذى عمل معي خيرا ، وجعل على بابي طبلخاناه. وإنّما أنا مملوك الملك الظاهر بيبرس البندقداري رحمه الله .ثمّ قال لي في جملة كلام: كم رأيت مصافّا؟ -فقلت في نفسى: ما لسكوتي محلّ، وأنا فقد بايعت الله تعالى، قال: فقبّلت الأرض وقلت: يحفظ الله القآن! أنت تصبى عمّا أقوله-. وإنّما  الذى قال للقآن: دعه يكلمني حتى أجيبه فأنا كنت مع جدّك نوبة تمر قابوا. - خيرا: خير وإنما. . . أجيبه: إنما الذى قال لك هذا القول يتحدث معك بين يديك، زت قال المجيرىّ: فأطرق إلى الأرض وتكلّم مع شيخ من المغل كان قريبا منه . ثمّ قال: كيف هربتم منّا؟ -قال: فقبّلت الأرض وقلت: يحفظ الله القآن! عسكر التتار لهم ستّين سنة يهربون منّا ونحن هربنا مرة واحدة، قال. ثمّ استثبتّ في كلامي وقلت: بمرسوم القآن أتكلّم. - قال: قول! -قلت: يحفظ الله القآن! ما هربنا منكم خوفا من كثرتكم ولا من عظم حزبكم، ولكن استهونّا بكم. -قال: كيف؟ - قلت: نحن كسرناكم مرّات عديدة مدّة ستّين سنة من أيّام جدّك هلاوون وأبغا ومنكوتمر وأرغون وإلى ذلك التأريخ، فبقى ملتقاكم علينا سهلا من أهون ما يكون. وإنّ عساكر مولانا السلطان عساكر كثيرة وخلق عظيمة لا يعلم عدّتهم، وأعداه كثيرة من أربع جهات. فإقليم قوص مجاور لبلاد السودان، تركنا فيه عسكرا. ثمّ إقليم آخر يسمّى ثغر الإسكندريّة مجاور لبلاد المغاربة والإفرنج، تركنا فيه عسكرا كبيرا. وإقليم آخر يسمّى ثغر دمياط مجاور للإفرنج أيضا، تركنا فيه عسكرا. ولم نخرج إليكم في ربع جيوشنا لقلّة اكتراثنا بكم. وكان سعادة القآن كبيرة، فإنّك نلت ما لا ناله أحد من جدودك و {كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً}

قال المجيرىّ: كلّ هذا أقوله وهو يسمع، ولم يكن بيني وبينه غير حاجب واحد، وهو يسمع كلامي وأعجبه قولي «ونلت ما لا نالته . قال المجيرىّ: فسحبونا من بين يديه سحبا عنيفا، وخرجنا. وقالوا لنا: أوصوا بما تختاروه لأهلكم! -قال المجيرىّ: فقمت أتوضّأ للموت، وقام القاضي عماد الدين أيضا. فسمعت حسّ طقطقة أسنانه وهو يرعد كالقصبة في الريح البارد، قال: فتبسّمت. -فقال لي: يا حسام الدين، هذا وقت الضحك؟ -فقلت: يا قاضى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا}

قال المجيرىّ: وكان من سؤال غازان لنا قبل ذلك: كم يكون في عسكر مصر مثلك تركىّ؟ -قلت: نيّف وعشرة آلاف. -قال: فالتفت غازان إلى أمير علىّ بن كرابك بن بركة خان وكان بعيدا منه، فطلبه وقال: تسمع ما يقول، صحيح قوله؟ -وكان قد سمع قولي، فقال: وحقّ رأس القآن! ما قال صحيح، ما في عسكر مصر مثله خمسة نفر. -فقال لي: اسمع قوله! -قلت: ومن هو ذا؟ فإني لا أعرفه. -فقال: هذا أمير علىّ ابن بركة خان الذى كان عندكم. -فقبّلت الأرض وقلت: يحفظ الله القآن! الذى قال هو غير الصحيح. وهو من جملة الذين ما رضى مولانا السلطان يستخدمه في عسكر مصر. وأعطاه أربعة آلاف درهم في حلب. ثمّ تشفّع بالأمرا حتى أنعم عليه بعشرة في حلب. ولو وجد أربعة آلاف درهم في مصر ما هرب إليكم. -قال: فالتفت إليه وقال له: يا علىّ، أنت من عسكر مصر أو من عسكر الشأم؟ -قال، فسكت. فقال غازان: ما قال لنا إنّه إلاّ من عسكر مصر. -فقال المجيرىّ: وحقّ رأس القآن، هو أقلّ من في عسكر الشأم بحلب، لا بدمشق، وإن كان من مصر يخرج منشوره بإمرته، بيان صدقه من كذبه، قال: فأمر الحاجب فأخرج أمير علىّ من قدّامه .قال المجيرىّ: ولمّا خرجنا على أنّهم يرمونا في المنجنيق خرج مرسوم ثان بأن يحبسونا في المدرسة، ولا يمكّنوا أحدا من العبور إلينا، ولا نخرج ولا نعبر. وضيّقوا علينا غاية الضيقة في طول تلك المدّة، قال: فعلمنا أنّ نحن من المغضوب عليهم من جهة غازان . وفد بقي المجيري وصاحبه القاضي في السجن سنتين ينتظران الموت صباح مساء حتى مات قازان وتولى أخوه خدابنداه ، فأطلقهما وأنعم عليهما وكان مسلماً وأرسل لسلطان مصر يطلب الصفح والهدنة حتى تعمر البلاد

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــ

نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك – الصفدي (ص: 185)

كنز الدرر وجامع الغرر أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري   (9/ 71)

المختصر في أخبار البشر – أبو الفداء (4/ 18)

العبر في خبر من غبر – الإمام الذهبي (4/ 5)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق