الأحد، 4 يونيو 2023

اشتدي أزمة تنفرجي من السيرة العطرة ومن حياة السلف نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

اشتدي أزمة تنفرجي

من السيرة العطرة ومن حياة السلف نتعلم

إن البلاء الذي نحن فيه له أتاوة وهو أيضاً محنة ، وفيه ارهاق وازعاج ، ترى هل كان هذا البلاء غاية ؟ أقول ربما كان للبعض غاية وهدفا يحقق أماني لا تتحقق إلا من خلاله ، إلا أن فرج الله قادم وقريب . ولمّا كانت الحكمة الإلهية جرت بتنقلات الحوادث وتحولات الأحوال، وعدم استقرارها على حال، صارت الشدة إذا تناهت لم يعقبها إلاّ الفرج، كما أنَّ الفرج إذا تناهى لم يعقبه ، إلاّ شدة فصارت الشدة مفتاح الفرج وسببا فيه بهذا الاعتبار. فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اشْتَدِّي أَزْمَةٌ تَنْفَرِجِي» وقد قيل أن جَمِيع المكاره فِي الدُّنْيَا، تَنْقَسِم على ضَرْبَيْنِ، فَضرب فِيهِ حِيلَة، فالحركة والتحايل دواؤه، وَصنف لَا حِيلَة فِيهِ، فااصبر شفاؤه. وكانت العرب تقول : إِن فِي الشَّرّ خيارا. قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ، أَن بعض الشَّرّ أَهْون من بعض. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ، إِذا أصابتك مُصِيبَة، فَاعْلَم أَنه قد يكون أجل مِنْهَا ، فلتهن عَلَيْك مصيبتك. أتي يزيد بن عبد الملك بخارجي فأراد قتله،

فقال: عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كلّ يوم في خليقته أمر

فقال: والله لأضربنّ عنقك أقتلوه. فدخل الهيثم بن الأسود فقال أمسكوه قليلا، فدنا منه فقال: يا أمير المؤمنين هب مجرم قوم لوافدهم، فقال: هو لك، فخرج الخارجي وهو يقول: تأبّى على الله فأبى إلا أن يكذبه وغالبه فأبى إلا أن يغلبه.

ومما يروى أن قضى الله للهبيري رزقا على يَد الْوَزير ابْن الزيات فاستوفاه على رغم أَنفه : قال أَحْمد بن إِسْرَائِيل، قَالَ: كنت كَاتبا لمُحَمد بن عبد الْملك الزيات، فَقدم عَلَيْهِ رجل من ولد عمر بن هُبَيْرَة، يُقَال لَهُ: إِبْرَاهِيم بن عبد الله الهبيري، فلازمه يطْلب تَصرفا. وَكَانَ ابْن الزيات قَلِيل الْخَيْر، لَا يرْعَى ذماما، وَلَا يُوجب حُرْمَة، وَلَا يحب أَن يصطنع أحدا، فأضجره الهبيري من طول تردده عَلَيْهِ. فدعاني ابْن الزيات يَوْمًا، وَهُوَ رَاكب، وَقَالَ: قد تبرمت بملازمة هَذَا الرجل، فَقل لَهُ: إِنِّي لست أوليه شَيْئا، وَلَا لَهُ عِنْدِي تصرف، ومره بالانصراف عني. قَالَ: فَقلت: أَنا، وَالله، أستحي أَن ألْقى مؤملا عَنْك، بِمثل هَذَا. قَالَ: لَا بُد أَن تفعل. قلت: نعم. فَلَمَّا صرت إِلَى منزلي؛ وجهت إِلَى الهبيري، فَجَاءَنِي، فَقلت لَهُ: مَا كنت تؤمل أَن تنَال بِصُحْبَة أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات، خُذْهُ من مَالِي، وَلَا تقربه، وَهَذِه ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. فَقَالَ مُتَعَجِّبا: من مَالك؟ قلت: نعم.

قَالَ: أَنا أُؤَمِّل أَن أكسب مَعَه أَكثر من ذَلِك. فَقلت: إِنَّه قد حَملَنِي إِلَيْك رِسَالَة، استحيت من أَدَائِهَا، فعدلت عَنْهَا إِلَى هَذَا.

قَالَ: فهات مَا حملك. قَالَ: فَأَعَدْت عَلَيْهِ مَا قَالَ ابْن الزيات. فَقَالَ: قد سَمِعت مِنْك، فَهَل أَنْت مؤد عني مَا أَقُول؟ قلت: نعم.

قَالَ: قل لَهُ: قد كنت آتِيك فِي صَبِيحَة كل يَوْم مرّة، وَوَاللَّه ، لآتينك مُنْذُ الْآن فِي كل غدْوَة وَعَشِيَّة، فَإِن قضى الله، عز وَجل، على يدك رزقا، أَخَذته على رغمك. فَرَجَعت إِلَى ابْن الزيات، فأعلمته قَوْله. فَقَالَ: دَعه، فوَاللَّه، لَا يرى مني خيرا أبدا. قَالَ: ولازمه الرجل، غدْوَة وَعَشِيَّة، فَكَانَ إِذا رَآهُ؛ الْتفت إِلَيّ، وَقَالَ: قد جَاءَ البغيض، فَمَكثَ كَذَلِك مُدَّة. وَركب ابْن الزيات يَوْمًا إِلَى الواثق، وَهُوَ بالهاروني، بسر من رأى، وَكنت مَعَه. فَدخل إِلَى الْخَلِيفَة، وَجَلَست فِي بعض الدّور، أنْتَظر خُرُوجه، فَخرج، وَهُوَ يكثر التَّعَجُّب. فَسَأَلته، فَقَالَ: أَنْت تعرف مذهبي، قَالَ: وَكَانَ يرى رَأْي الْمُعْتَزلَة، وَيَقُول: إِن الأرزاق تَأتي بالاكتساب. فَقلت لَهُ: وماذا تهَيَّأ عَلَيْك؟ فَقَالَ: دخلت إِلَى الْخَلِيفَة، فَقَالَ: على الْبَاب أحد نصطنعه؟ فَلم يخْطر ببالي غير الهبيري، فَأَمْسَكت. فَقَالَ: وَيلك، أُكَلِّمك فَلَا تُجِيبنِي، وأعجلني عَن الْفِكر. فَقلت: على بَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ، رجل من أَعدَاء دولته، وأعداء سلفه، وَمن صنائع بني أُميَّة، من ولد عمر بن هُبَيْرَة. قَالَ: فنصطنعه فيشكرنا، كَمَا اصْطنع أَبَاهُ بَنو أُميَّة فشكرهم. قلت: إِنَّه معدم.

قَالَ: نغنيه، فراودته.فَقَالَ: كم تدفعني عَنهُ؟ أعْطه السَّاعَة ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. ثمَّ قَالَ: من أهل الدراريع هُوَ، أم من أهل الأقبية؟ قلت: صَاحب قبَاء. قَالَ: قلدوه السَّاعَة عملا يصلح لَهُ، وَأثبت لَهُ من وَلَده وغلمانه وَأَهله، مائَة رجل.

فَلَمَّا فرغ من كَلَامه؛ قَالَ: قل للهبيري مَا عرفتك، وادفع إِلَيْهِ مَا أَمر لَهُ الْخَلِيفَة بِهِ، وسله أَلا يشكرني، فقد جهدت فِي دفع الواثق عَنهُ، فَمَا انْدفع. قَالَ أَحْمد بن إِسْرَائِيل: فَلَمَّا خرجت إِلَى الشَّارِع، إِذا بالهبيري ينْتَظر خُرُوج ابْن الزيات، فعرفته مَا جرى، فَقَالَ: لَا بُد من شكره على كل حَال، وَجَاء ابْن الزيات فترجل لَهُ الهبيري، فشكره. فَقَالَ لَهُ: أم أقل لِأَحْمَد يَقُول لَك: لَا تشكرني. فَقَالَ: لَا بُد من ذَلِك؛ لِأَن الله، تَعَالَى، قد أجْرى رِزْقِي على يَديك.

يا رب فرح عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــ

مسند الشهاب القضاعي (1/ 436)

محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء – الراغب الأصفهاني (2/ 407)

زهر الأكم في الأمثال والحكم - اليوسي(3/ 224)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق