الثلاثاء، 27 يونيو 2023

مساوئ عقوق البنين ونحن اليوم في يوم عرفه ومن حياتنا وحياة السلف لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

مساوئ عقوق البنين ونحن اليوم في يوم عرفه

ومن حياتنا وحياة السلف لنا مثل

قالوا إن عقوق الوالدين يعقب النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد، وقالوا : النظر إلى الوالدين عبادة . وقد أمر الله تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين . وأقل ما في بر الوالدين أنه يزيد في العمر .

ترى من يخاطب والده أو والدته بـ ( ياحجي  ) بار ؟ . وبالمناسبة الحجي ( هو الرقاص عند الغجر وكذلك الحجية ) . وقد سماهما الله الوالدين . من يناقش والده ليشعره بأنه على خطأ : قال شو : لأنه الأفهم ومحبة له . هل هو بار ؟ من يعد زيارة والديه منة يتفضل بها عليهما هل هو بار ؟ فكيف بمن يخاصم والديه : وقد قال العلماء : أيتخاصم الرجل مع أبويه ؟ فقال ولا مع نعليهما . قال الأصمعي قال: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعق الناس وأبر الناس فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحر الشديد وخلفه شاب في يده رشاء من قدّ ( جلد )ملوّى يضربه به قد شقّ ظهره بذلك الحبل. فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من مدّ هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي. قلت: فلا جزاك الله خيراً! قال: اسكت فهكذا كان يصنع هو بأبيه وكذا كان يصنع أبيه بجده. فقلت: هذا أعق الناس. ثم جلت أيضاً حتى انتهيت إلى شاب في عنقه زبيل فيه شيخ كأنه فرخ فيضعه بين يديه في كل ساعة فيزقّه كما يزقّ الفرخ. فقلت له: ما هذا؟ فقال: أبي وقد خرف فأنا أكفله. قلت: فهذا أبر العرب. فرجعت وقد رأيت أعقهم وأبرهم. وقالت امرأةٌ من بني هزان يقال لها أم ثواب في ابنٍ لها عقها:

ربيته وهو مثل الفرخ أعظمه ... أم الطعام ترى في جلده زغبا

حتى إذا آض كالفحال شذبه ... أباره ونفى عن متنه الكربا

أنشا يمزق أثوابي يؤدبني ... أبعد شيبي عندي تبتغي الأدبا

يقال رببته وربيته بمعنىً. ومعنى البيت: كان ابني حين ولد في ضعفه وصغره، وتساقط قوته، وتخلخل بنيته، ورخاوة مفاصله، كفرخ القطاة ولم يستبدل بعد بزغبه شكيراً، ولا بانحلال عقده تماسكاً، فأقبلت أربيه وأعظم شيءٍ فيه بطنه، وأرقيه في مدارج النشء والترشيح وهو لا يميز ما ينفعه مما يضره .

قيل: وضرب إبراهيم بن بهنك العكي ابنه فذهب الابن فوشى بأبيه إلى الرشيد وذكر أنه يريد اغتياله، فدفعه الرشيد إلى ابنه، فقيده وحبسه في بيت ودعا بأمهات أولاده فجعل يشرب معهنّ ليغيظ أباه، فاستبطأ الرشيد فدعا به وقال له: إن كذبت على أبيك استرضيناه لك وإن كنت صدقت فلست أرى أفعالك تشاكل أفعال الصادقين. فلما انصرف من عنده دخل على أبيه بالسيف فضربه حتى قتله. ولذلك قيل: شرّ المرزئة سوؤ الخلف.

قيل: وكان المأمون وجد على قائد من قواده فاستصفى ضياعه وداره وأنهب دوابه وماله، وكان شيخاً فانياً ولم يكن له من الولد إلا بنية صغيرة، فأجمع أن يضرب في الأرض ويطلب من فضل الله جل وعز ويخلّف بنيته. فبكت الابنة وقبضت على أبيها وقالت: اقنع بما آتاك الله واصبر على محن الزمان ونوائب الدهر والزم الوطن وارحم وحدتي وضعفي وقلة حيلتي أو اذبحني فلا أُبتلى بفراقك. فبكى الشيخ وقال:

تقول ابنتي لما أردت وداعها ... وقد حضرتني نيةٌ ورحيل:

لعل المنايا في رحالك تنبري ... لنفسك ختلاً أو تغولك غول

فتتركني أدعى اليتيمة بعدما ... تبين وعزّي بعد ذاك ذليل

أفي طلب الدنيا وربك بالذي ... تسير له راعٍ عليك كفيل

أليس ضعيف القوم يأتيه رزقه ... يُساق إليه والبلاد محول

ويحرم جمع المال من قد يرومه ... يكدّ عليه رحله وحلول

فلو كنت في طودٍ على رأس هضبةٍ ... لها نجفٌ فيه الوعول تقيل

مضعّدة لا يستطاع ارتقاؤها ... ولا لنزولٍ يستطاع سبيل

إذاً لأتاك الرزق يحدوه سائقٌ ... حثيثٌ ويهديه إليك دليل

قال: فنمى الخبر إلى المأمون، فدعا بالشيخ فاستنشده شعره فأنشده، فرقّ له وأمر بردّ جميع ما أخذ منه وأعاده إلى مرتبته وزاده من عنايته.

هي مناسبة اليوم لإعادة الحسابات لمن ظن أن قد عق والديه . ليصحح ما قد سلف . حتى وإن قضى الله أنهما تحت أطباق الثرى فعسى يكون الاستغفار والصدقة سبيلا لرضا الرحمن .

يا رب فرج عن سورية وأهل سورية

ـــــــــــــــــــــــ

المعمرون والوصايا - السجستاني(ص: 38)

المحاسن والمساوئ – محمد البيهقي(ص: 235)

شرح ديوان الحماسة – أبو علي الأصفهاني (ص: 537)

عيون الأخبار – ابن قتيبة (3/ 191)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق