السبت، 23 ديسمبر 2023

الخيانة سر من أسرار البلاء ومن سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام نتعلم قصة بُشَيْر بْنُ أبَيْرق، وَهُوَ أَبُو طُعمَة، سَارِقُ الدِّرْعين

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

الخيانة سر من أسرار البلاء

ومن سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام نتعلم

قصة بُشَيْر بْنُ أبَيْرق، وَهُوَ أَبُو طُعمَة، سَارِقُ الدِّرْعين

الخيانة مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. ونقيض الخيانة: الأمانة وجميل قول أبو العيناء من شعراء القرن الثاني الهجري

تولتْ بهجةُ الدنيا ... فكُلُّ جديدِها خَلَقُ

وخانَ الناسُ كُلُّهمُ ... فما أدري بمن أثقُ

رأيتُ معالِمَ الخيرات ... سدتْ دونَها الطرقُ

فلا حسبٌ ولا أدبٌ ... ولا دينٌ ولا خُلقُ

وحالة الخيانة مستنكرة إنسانيا وأمثلة ذلك أن ابنة ملك الفرس التي خانت والدها طمعا في الزواج من الإسكندر وكانت النتيجة أن قتل والدها وقتلها بعد ذلك الإسكندر فمن يخن أباه لا يستحق المعاشرة . وعن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر وبَشِير، ومُبَشِّر، وكان بشير رجلا منافقًا، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينحله إلى بعض العرب، ثم يقول :"قال فلان كذا"، و"قال فلان كذا"، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث! فقال: أَوَ كُلَّمَا قَالَ الرِّجَالُ قَصِيدَةً ... أَضِمُوا وَقَالُوا: ابْنُ الأبَيْرِقِ قَالَهَا! قال: وكانوا أهل بيت فاقةٍ وحاجة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس بالمدينة طعامهم التمر والشَّعير، وكان الرجل إذا كان له يَسَار فقدمت ضَافِطة من الشأم بالدَّرْمك، ابتاع الرجل منها فخصَّ به نفسه. فأما العِيال، فإنما طعامهم التمر والشَّعير. فقدمت ضافطة من الشأم، فابتاع عمي رِفاعة بن زيد حملا من الدَّرمك، فجعله في مَشْرُبة له،  وفي المشربة سلاح له: دِرْعَان وسيفاهما وما يصلحهما. فعُدِي عليه من تحت الليل،  فنُقِبَت المشربة، وأُخِذَ الطعام والسّلاح. فلما أصبح، أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي، تعلَّم أنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه،  فنقبت مشرُبتنا، فذُهِب بسلاحنا وطعامنا! قال: فتحسّسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل! رجلا منا له صلاح وإسلام. فلما سمع بذلك لبيد، اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق فقال: والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتُبَيّننَّ هذه السرقة. قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فوالله ما أنت بصاحبها! فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له! قال قتادة: فأتيت رَسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: يا رسول الله، إن أهل بيت منا أهلَ جفاءٍ، عَمَدُوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشرُبة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظر في ذلك. فلما سمع بذلك بنو أبيرق، أتوا رجلا منهم يقال له:" أسير بن عروة"، فكلموه في ذلك. واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عَمَدوا إلى أهل بيت منا أهلَ إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بَيِّنةٍ ولا ثَبَت. = قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته، فقال: عَمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثَبَت!! قال: فرجعت ولوِددْتُ أنِّي خرجت من بعض مالي ولم أكلِّم رَسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. فأتيت عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان! فلم نلبث أن نزل القرآن:"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا"، يعني: بني أبيرق ="واستغفر الله"، أي: مما قلت لقتادة="إن الله كان غفورًا رحيمًا ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم"، أي: بني أبيرق="إن الله لا يحب من كان خوّانًا أثيمًا يستخفون من الناس إلى قوله:"ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا"، أي: إنهم إن يستغفروا الله يغفر لهم="ومن يكسب إثمًا فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليمًا حكيمًا ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يَرْم به بريئًا فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا"، قولهم للبيد="ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك"، يعني: أسيرًا وأصحابه="وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرُّونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة" إلى قوله:" فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا". فلما نزل القرآن، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فردَّه إلى رفاعة. = قال قتادة: فلما أتيتُ عمي بالسلاح، وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مَدْخولا  فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا. فلما نزل القرآن، لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة ابنة سعد بن شُهَيد،  فأنزل الله فيه: (وَمَنْ يُشَاقِقِ تفسير الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا) . فلما نزل على سلافة، رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، : وَمَا سَارِقُ الدِّرْعَيْنِ إنْ كُنْتَ ذاكِرًا ... بذي كَرَمٍ من الرجالِ أُوَادِعُهْ فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت فرمتْ به في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ إليّ شعر حسان! ما كنت تأتيني بخير! .

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ـــــــ

سيرة ابن هشام (2/ 123)

تفسير الطبري (9/ 177)

تفسير ابن كثير (2/ 405)

ـــــــــــــــــــــــــ

-         الضافطة: كانوا قومًا من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما. ثم قالوا للذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن، والمكاري الذي يكري الأحمال"ا لضافطة" و"الضفاط". و"الدرمك" هو الدقيق النقي الحواري، الأبيض.

-         "المشربة" (بفتح الميم وسكون الشين وفتح الراء أو ضمها) : وهي الغرفة، أو العلية، أو الصفة بين يدي الغرفة. والمشارب: العلالي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق