السبت، 18 مارس 2023

فلسفة دبر حالك واكتبني في العميان من حياتنا وحياة السلف لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

فلسفة دبر حالك

واكتبني في العميان

من حياتنا وحياة السلف لنا مثل

دبر حالك هو نداء باشتقاقات متنوعة مثل "كل شي بيدبّر"، و"ما في شي ما بيدبّر"، و"دبّرها يا زلمة"، أو "دبّرها بمعرفتك". بطريق حلال أو حتى حرام مشي حال ، فأنت الأحق أو أنت الأقدر أو الأصلح ، وبقليل من التمعّن، تكتشف أنه لا يوجد ما لا يُمكن تدبيره ،وفي هذه الأيام وضمن هذا البلاء ، يسود مبدأ صنوف الشهوات كثيرة، ولكل صنفٍ منها أهل لا يحلفون بما سواه. ومن الناس من يتعجب من الغريب النادر، ويضحكه البديع الجديد . ومن المعلوم أنه إذا كثر الغريب صار قريباً، كذلك فالغضب والحسد والبخل والجبن، والغيرة، وحب الشهوات والنساء، والمكاثرة، والعجب والخيلاء وأمثالها إذا قويت دواعيها عند أهلها ، واشتدت جواذبها عند أصاحبها، ورافقتها الغفلة ، ونسي أن الناس أن فوقهم منتقما جباراً ، لا بد أن يعيد الحق لأصحابه . فمن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب . ألا إنّ لله عبادا استبعدوا كل كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلّدين وأهل النار في النار معذّبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة لعقبى راحة طويلة .

يُروى أن زعيما عربيا أُخبر بأن أحد وزرائه مات ولم يترك مالا لأولاده، فقال لهم: أرسلوا إليهم ما يكفيهم، يبدو أنه "ما دبّر حاله"! .. هذه "الطرفة" تكثيفٌ بليغٌ لسياسة "دبّر حالك" التي تهيمن على مجمل بلادنا العربية، فـ"تدبير الحال" هنا هو بمثابة قانون اللاقانون، حيث يستخدم المسؤول قدراته في "التدبير" لجمع ما يستطيع من مال، اغتناما لفرصة المسؤولية، وهي سياسةٌ مقرّة ومتسامحٌ معها على أعلى مستوى، بل أصبحت "ثيمة" ساخرة تؤشّر على مدى "سيولة" الدولة العربية المعاصرة، وهلامية القوانين.

كتب الخليفة الْمَنْصُور إِلَى زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ ليقسم مَالا بَين الْقَوَاعِد والعميان والأيتام. فَدخل عَلَيْهِ أَبُو زِيَاد التَّمِيمِي - وَكَانَ مغفلاً - فَقَالَ: أصلحك الله، اكتبني فِي الْقَوَاعِد، فَقَالَ: عافاك الله، الْقَوَاعِد هن النِّسَاء اللَّاتِي قعدن عَن أَزوَاجهنَّ. فَقَالَ: اكتبي فِي العميان، قَالَ: اكتبوه؛ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: " فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور " قَالَ أَبُو زِيَاد: واكتب ابْني فِي الْأَيْتَام فَقَالَ: نعم، من كنت أَبَاهُ فَهُوَ يَتِيم

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿٤٦﴾

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــ

الرسائل للجاحظ (1/ 155)

نثر الدر في المحاضرات (7/ 197)

مجلة العربي الكويتية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق