الأربعاء، 12 فبراير 2020

من أنت أخبرني ؟ ومن سيرة السلف الصالح نتعلم


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
من أنت أخبرني ؟
ومن سيرة السلف الصالح نتعلم
هناك من يظن في نفسه أنه فريد في صفاته يمتاز على الناس بما لديه . فإن تحدث هوى به كلامه فأهلكه ، أو رفعه فنجا
حكي أن الحجاج خرج في عسيسة، فلقي سكراناً، فلما أحضره للعقوبة، قال له: أصدقني ابن من أنت؟ فقال:
أنا أبن الذي لم ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً على ضوء ناره ... فمنهم قيام تارة وقعود
قال: صدقت. فقال: أطلقوه، فيوشك أن يكون من أولاد الملوك، فلما أطلقوه، سأله عنه، فقيل أيها الأمير، هذا ابن فلان الباقلاني، فقال: لقد صدقنا في نسبه، وأحسن في كنايته .
وتكلم رجل عند عبد الملك بن مروان بكلام ذهب فيه كلّ مذهب. فأعجب عبد الملك ما سمع من كلامه، فقال له: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن نفسي يا أمير المؤمنين، التي بها توصلت إليك.
أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله بن ذكْوَان، وَتسَمى بقاضي الْقُضَاة. قَالَ ابْن عفيف: وَكَانَ من خير الْقَضَاء نزاهة، وعلماً وَمَعْرِفَة، ورزانة، وعدلاً، وحزامة. وَقَالَ غَيره: كَانَ القَاضِي أَحْمد بن عبد الله فِي ولَايَته موقر الْمجْلس، مهيب الحضرة؛ مَا رَأَيْت مجْلِس قَاض قطّ أوقر من مَجْلِسه. وَكَانَ إِذا قعد للْحكم فِي الْمجْلس، وَهُوَ غاص بأَهْله، لم يتَكَلَّم أحد مِنْهُم بِكَلِمَة، وَلم ينْطق بِلَفْظَة غَيره وَغير الْخَصْمَيْنِ بَين يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَلَام النَّاس بَينهم إِيمَاء ورمزاً، إِلَى أَن يقوم القَاضِي؛ فَصَارَ حَدِيثه فِي ذَلِك عجبا. وَلَقَد أَتَتْهُ، فِي بعض مجالسه، من الأديب أبي بَحر أنس بن أَحْمد الجياني، داهية لم يبلغهُ بِمِثْلِهَا أحد، لفرط هيبته؛ وَذَلِكَ أَنه كلم بَين يَدَيْهِ خصما لَهُ، كلَاما استطال فِيهِ عَلَيْهِ، بِفضل أدبه، وطلاقة لِسَانه؛ وَفَارق عَادَة الْمجْلس فِي التوقير، فَرفع صَوته، وَعز عطفه المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا إكثاره، وَقَالَ: مهلا {عافاك الله} اخْفِضْ صَوْتك واقبض يدك {فَقَالَ لَهُ أنس: ومهلاً يَا قَاضِي} أَمن المحذرات أَنا؟ فأخفض صوتي، وأستر يَدي، وأغطي معصمي لديك {أم من الْأَنْبِيَاء أَنْت؟ فَلَا أَجْهَر بالْقَوْل عنْدك} وَذَلِكَ شَيْء لم يَجعله الله تَعَالَى إِلَّا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لقَوْله تَعَالَى: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل كجهر بَعْضكُم لبَعض أَن تحبط أَعمالكُم وَأَنْتُم لَا تشعرون. " وَلست بِهِ وَلَا كَرَامَة} وَقد ذكر الله تَعَالَى أَن النُّفُوس تجَادل عِنْده يَوْم الْقِيَامَة فِي الْموقف الَّذِي لَا تعدله مقامات الدُّنْيَا فِي الْجَلالَة والهيبة. قَالَ الله تَعَالَى " يَوْم تَأتي نفس تجَادل عَن نَفسهَا وَتوفى كل نفس مَا عملت وهم لَا يظْلمُونَ {" لقد تعديت، يَا قَاضِي} طورك {وعلوت فِي منزلتك} وَإِنَّمَا الْبَيَان، بِعِبَارَة اللِّسَان، وبالمنطق، يستبين الْبَاطِل من الْحق؛ وَإِنَّمَا البوس، مَعَ النحوس، وَلَا بُد فِي الْخِصَام، من إفساح كَلَام {قَالَ: فبهت القَاضِي بقوله، وأغضى على تقريعه، وَجعل يَقُول: الرِّفْق أولى من الْخرق} وَانْصَرف أنس، وَالنَّاس يعْجبُونَ من صبره لَهُ.
ونحن إن أفحمنا بحديث صببنا على محدثنا جام غضبنا . ونسبنا له ما ليس فيه
مبدؤنا : عليك أن تمدحني فأن فريد عصري
لا قبول للرأي الآخر وعلى الآخر تدور الدوائر حتى وإن كان على حق
ويا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ـــــــــــ
العقد الفريد (2/ 149)
سفط الملح وزوح الترح - الدجاجي(ص: 72)
تاريخ قضاة الأندلس – أبو الحسن النباهي المالقي الأندلسي(ص: 84)

البوس : من معناها الخلط
العسيسة : الطواف ليلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق