الأحد، 14 أبريل 2024

من عجائب الصبر على القتل هُدبة بن خشرم قتل شاعرا وقتله بيت شعر . وموقف أم من الثأر

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

من عجائب الصبر على القتل

هُدبة بن خشرم قتل شاعرا وقتله بيت شعر . وموقف أم من الثأر

هدبة هَذَا هُوَ أوّل من أُقِيدَ مِنْهُ فِي الْإِسْلَام . وهدبة بن خشرم بن كرز، من بني عامر بن ثعلبة، من سعد هذيم، من قضاعة: شاعر، فصيح، مرتجل، راوية، من أهل بادية الحجاز بين تبوك والمدينة كنيته أبو عمير. وهو القائل:

عسى الكرب الّذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب

وعند صاحب الأغاني: كان هدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية كعب بن زهير وأبيه، وكان جميل راوية هدبة، وكثير راوية جميل. وأكثر ما بقي من شعره، ما قاله في أواخر حياته بعد أن قتل رجلا من بني رقاش، من سعد هذيم، اسمه "زيادة بن زيد " وكان هدبة صاحب زيادة بن زيد العذري ، ومرة وهما مقبلان من الشأم فى نفر من قومهما، فكانوا يتعاقبون السّوق بالإبل، فنزل زيادة يسوق بأصحابه، فرجز فقال:

عوجي علينا واربعي يا فاطما ... ما دون أن يرى البعير قائما

ألا ترين الدّمع منى ساجما ... حذار دار منك أن تلائما

وكان لهدبة أخت يقال لها فاطمة، فظنّ أنّه شبّب بها، فنزل هدبة فساق بالقوم، ورجز بأخت زيادة، وكان يقال لها أمّ القاسم، فتشاتما، فقال:

متى تظنّ القلص الرّواسما ... يبلغن أمّ قاسم وقاسما

خودا كأنّ البوص والمآكما ... منها نقا مخالط صرائم

والله لا يشفى الفؤاد الهائما ... تمساحك اللّبّات والمعاصما

فلمّا وصلا إلى ديارهما جمع زيادة رهطا من أهل بيته، فبيّت هدبة، فضربه على ساعده، وشجّ أباه خشرما ، فلم يزل هدبة يطلب زيادة على حين غرة ، حتى أصابه ، فبيّته فقتله، وتنحّى مخافة السلطان، وعلى المدينة يومئذ سعيد بن العاص، فأرسل إلى عمّ هدبة وأهله فحبسهم فى المدينة، فلما بلغ ذلك هدبة أقبل حتى أمكن من نفسه، وتخلّص عمّه وأهله «1» ، فلم يزل محبوسا حتى شخص عبد الرحمن بن زيد، أخو زيادة، إلى معاوية، وأورد كتابه، على سعيد بن العاص بأن يقيد منه إذا قامت البينة عليه ، فسأله سعيد البينة فأقامها فمشت عذرة إلى عبد الرحمن، وسألوه قبول الدية، فامتنع من ذلك وقال:

أنختم علينا كلكل الحرب مرّة ... فنحن منيخوها عليكم بكلكل

فلا يدعني قومي لزيد بن مالك ... لئن لم أعجّل ضربة أو أعجّل

وسأله سعيد أن يقبل الدية منه، وقال: أعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جدّاء، ولا ذات داء ، فقال: والله لو نقّيت لي مجلسك هذا ثم ملأته ذهبا ما رضيت به من هذا . فلم يزل محبوساً حتى شبّ ابن المقتول فدخل عليه السجن وهو يلاعب صاحباً له بالشطرنج فقيل له: قم إلى القتل! فقال: حتى أفرغ من لعبتي. فلما فرغ خرج وجعل يهرول. فقيل له: ما بالك تأتي الموت هكذا؟ فقال: لا آتيه إلا شداً. فدفعه سعيد إليه موثقا فى الحديد ، فقال هدبة:

إن تقتلوني فى الحديد فإنني ... قتلت أخاكم مطلقا غير موثق

فقال عبد الرحمن بن زيد: لا والله لا قتلته إلا مطلقا، فأطلق، فقتله، وكان هدبة قال لهم: تفقّدونى إذا ضربت عنقي، فإني سأقبض يدى وأبسطها، فتفقدّوه فرأوه قد فعل ذلك . ثم نظر إلى امرأته فقال لها:

لا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا

وكوني حبيساً أو لأروع ماجدٍ ... إذا ضنّ أغساس الرجال تبرُّعا

فمالت زوجته إلى جزار فأخذت مديته فقطعت بها أنفها وجاءته مجدوعة فقالت: أتخاف أن يكون بعد هذا نكاح؟ فرسف في قيوده وقال: الآن طاب الموت. فلما قُدّم ليقاد بابن عمه وأخذ ابن زيادة السيف فضوعفت له الدية حتى بلغت مائة ألف درهم، فخافت أم الغلام أن يقبل ابنها الدية ولا يقتله فقالت: أعطي الله عهداً لئن لم تقتله لأتزوجنه فيكون قد قتل أباك ونكح أمك! فقتله.

ــــــــــــــــــــــــ

الشعر والشعراء – ابن قتيبة(2/ 680)

الأغاني (21/ 166)

هدبة الوافي بالوفيات (27/ 198)

المحاسن والمساوئ – محمد البيهقي (ص: 206)

الأعلام للزركلي (8/ 78)

 

 

 

الساجم : قَطَران الدَّمْعِ وسَيَلانه،

القلوص  : من النوق: الشابة

الرواسم  : العلامات

البوص : اللون الحسن . وهو العجز

الْمَأْكَمَةُ: اللَّحْمُ فِي أَعْلَى الْوَرِكِ

الصَّرِيمةُ من الرَّمل: قطعةٌ ضخمةٌ تَنْصَرِمُ عَن سَائِر الرمال، وتُجمع الصَّرائم.

الغُسّ من الر جال : الضَّعِيف اللَّئِيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق