الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023

كتابات وكلام الجهلاء سر من أسرار البلاء الذي نحن فيه

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كتابات وكلام الجهلاء سر من أسرار البلاء الذي نحن فيه

فنحن اليوم نكتب دون أهلية ولا سند ، ونتحدث عن غير علم لتحكم العاطفة والهوى فيما نلفظ . نمتدح الجهلاء لنجعلهم في مصاف العلماء . ولهذا قالوا لو سكت كان خيرا له . وقالوا : لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف. وقالوا: مقتل المرء بين فكيّه. علماً بأن الكلام يفضل السكوت ولولا الكلام لم يكن يعرف الفاضل من المفضول، في معان كثيرة، لقول الله عزّ وجلّ، في بيان يوسف عليه السلام وكلامه عند عزيز مصر، لمّا كلّمه فقال: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ . فلو لم يكن يوسف عليه السلام أظهر فضله بالكلام، والإفصاح بالبيان، مع محاسنه المونقة، وأخلاقه الطّاهرة، وطبائعه الشريفة، لما عرف العزيز فضله، ولا بلغ تلك المنزلة لديه، ولا حلّ ذلك المحلّ منه، ولا صار عنده بموضع الأمانة، ولكان في عداد غيره ومنزلة سواه عند العزيز. ولكنّ الله جعل كلامه سببا لرفع منزلته، وعلوّ مرتبته، وعلّة لمعرفة فضيلته، ووسيلة لتفضيل العزيز إيّاه.

إلا أن السكوت في حالات كثيرة هو الأولى .

حدثني من كان له الفضل في تربيتي رحمه الله تعالى ، قال : كان رجل من أقربائنا وأعتذر عن ذكر اسمه رحمه الله تعالى

جميل الطلعة بهي الوجه حسن الزي كوجاهة إلا أن عيّ لا يحسن الحديث . كنا نأخذه معنا لحل مشكلة ونجعل بجانبه أحد منا يضع قدمه فوق قدمه فإن أراد الحديث ضغط على قدمه ليسكت ، فما تكلم مرة إ

قال رجل : قد تصل النّصال إلى الإخوان فتستخرج، وأمثال النّصال من القول إذا وصلت الى القلب لم تستخرج أبدا. وقال بهرام الملك ، وسمع في اللّيل صوت طائر فتحدّاه بسهم وهو لا يراه، إلّا أنّه تتّبع الصّوت فصرعه، فلما صار بين يديه قال: والطّير أيضا لو سكت كان خيرا له! وقيل: ما شيء أحقّ بطول سجن من لسان. وقيل: يسأل اللسان الأعضاء في كلّ يوم فيقول: كيف أنتنّ؟ فيقلن: وبخير إن تركتنا! وقد ذكر الله جل وعز في قصة إبراهيم عليه السلام حين كسر الأصنام وجعلها جذاذاً، فقال حكاية عنهم: " قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم. قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ". فكان كلامه سبباً لنجاته، وعلة لخلاصه، وكان كلامه عند ذلك أحمد من صمت غيره في مثل ذلك الموضع، لأنه عليه السلام لو سكت عند سؤالهم إياه لم يكن سكوته إلا على بصر وعلم، وإنما تكلم لأنه رأى الكلام أفضل، وأن من تكلم فأحسن قدر أن يسكت فيحسن، وليس من سكت فأحسن قدر أن يتكلم فيحسن.

وقالت الحكماء: لو سكت من لا يدري استراح الناس. وقالوا: بكثرة - لا أدري - يقل الخطأ. وقال بعض الأوائل: لقد حسنت عندي - لا أدري - حتى أردت أقولها فيما أدري. وقال بعض الشعراء:

سأَقَضْيِ بحَقٍّ يَتْبَعُ الناسُ نَهْجَهُ ... وينفَعُ أهلَ الجهلِ عند ذَوِي الخُبْرِ

إذا كنت لا تدري ولم تَسَلِ الذي ... تُرَى أنَّه يدْرِي، فكيف إِذَنْ تَدْرِي؟

قيل أن سيدة كانت تقف على الشاطئ تراقب أحد هواة صيد السمك . وما لبثت أن رأته يرفع الخيط من الماء ، فإذا سمكة عالقة بالسنارة ، وهي تتلوى تحاول الخلاص . فقالت السيدة في اشفاق ( مسكينة ... حرام ) فبادر الصياد قائلا : لو لم تفتح فمها ، ما وصلت إلى هذا المصير .

في زماننا فتح الباب على مصراعيه لمن يجهل وكمتت أفواه العلماء . وللذكرى فمدحنا وذمنا مسجل نسأل عنه يوم الله فلينظر المرء في قوله .

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أخبار أبي تمام – الصولي (ص: 13)

الرسائل للجاحظ (4/ 234)

الرسائل الأدبية (ص: 107)

التمثيل والمحاضرة – الثعالبي (ص: 167)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق