صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي
العفة من سبل الفرج ، والدناءة سبيل للبلاء
العِفَّة: الكفُّ عَمَّا لَا يحل وَلَا يجمل. والعَفيفُ:
نَقيضُ الفاجِرِ ، أما الدنيءُ: فهو الخسيس من الرجال الدونُ
روي أن الرشيد رحمه الله أحضر رجلا ليولّيه القضاء فقال له:
إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه. قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع
صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور
في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي فما وجدوا
فيه مطعنا.
وكان أبو خازم عبدُ الحميد بن عبد الْعَزِيز الْكُوفِي القاضي
يغضب إذا سمع مدحا للقاضي بأنّه عفيف حدّث أبو الحسين بن عيّاش القاضي، عمّن
حدّثه: إنّه كان يساير أبا خازم القاضي في
طريق، فقام إليه رجل، فقال: أحسن الله جزاءك أيّها القاضي، في تقليدك فلانا القضاء
ببلدنا، فإنّه عفيف. فصاح عليه أبو خازم، وقال: اسكت عافاك الله، تقول في قاض إنّه
عفيف، هذه من صفات أصحاب الشرط، والقضاة فوقها قال: ثم سرنا، وهو واجم ساعة. فقلت:
ما لك أيها القاضي؟
قال: ما ظننت أنّي أعيش حتى أسمع هذا، ولكن فسد الزمان .
وأتي الحجاج بجماعةٍ من الخوارج من أصحاب قطريٍ بن الفجاءة ،
وفيهم رجلٌ كان له صديقاً، فأمر بقتلهم، وعفا عن ذلك الرجل ووصله وخلى سبيله، فمضى
إلى قطري فقال له قطري: عاود قتال عدو الله الحجاج، فقال: هيهات! غل يداً مطلقها،
واسترق رقبةً معتقها، ثم قال:
أَأُقَاتِلُ الحجَّاحَ عَنْ سُلْطَانِهِ ... بِيَدٍ تُقِرُّ
بأَنَّهَا مَوْلاَتُهُ
إِنِّي إِذَنْ لأَخُو الدَّناءَةِ والذي ... عَفَّتْ عَلَى
إحْسَانِهِ جَهَلاَته
مَاذَا أَقُولُ إذَا وَقفْتُ إزَاءَهُ ... في الصَّفِّ
واحْتَجّتْ لَهُ فَعَلاَتُهُ؟
أَأَقُولُ جَارَ عَلَىَّ؟ لا، إِنِّي إِذَنْ ... لأَحَقُّ
مَنْ جَارَتْ عَليْهِ وُلاَتُهُ
ويُحَدِّثُ الأَقْوامُ أَنّ صَنِيعَةً ... غُرِسَتْ لَدَىَّ
فَحَنْظَلَتْ نَخَلاَتُهُ؟
هَذَا وَما طِبِّي بجُبْنٍ إِنَّني ... فيكُمْ لِمطْرَقُ
مَشْهَدٍ وَعَلاَتُهُ
واليوم العفة كلمة قد غدت عند الكثيرين فارغة من محتواها ،
نسي صنف من الناس المعروف لمجرد مخالفة في الرأي ، لتنكشف النفوس على حقيقتها بثوب
الدناءة والخسة .
يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ـــــــــــــــــ
عيون الأخبار – ابن قتيبة الدينوري (1/ 71)
أخبار أبي تمام (ص: 29)
نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة – القاضي التنوخي (1/ 239)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق