صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي
من قدّم أمر الله على أمر المخلوقين كفاه الله شرّهم
ومن حياة السلف نتعلم
التسليم لأمر الله ادعاء على ألسنة الكل ، إلا أنه هنا مسافة بين
الصادق وغير الصادق وأيام الإحن تبرز ذلك وتميز بين من كان أمره كله لله ومن كان
ادعاء نفاقاً والعياذ بالله ، وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى
ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِسْلَامِ ، يقول الإمام ابن القيم : إن مبنى
العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة
في الأوامر والنواهي والشرائع 0 حدّث أبو الحسن عليّ بن القاضي أبي طالب محمد بن
القاضي أبي جعفر ابن البهلول، قال: طلبت السيّدة أمّ المقتدر»، من جدّي، كتاب وقف
لضيعة كانت ابتاعتها، وكان الكتاب في ديوان القضاء، فأرادت أخذه لتخرّقه، وتبطل
الوقف، ولم يعلم جدّي بذلك. فحمله إلى الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب كما
رسمت فأيش تريد ؟ فقالوا: نريد أن يكون عندنا. فأحسّ بالأمر، فقال لأمّ موسي
القهرمانة: تقولين للسيّدة أعزّها الله، هذا والله ما لا طريق إليه أبدا، أنا خازن
المسلمين على ديوان الحكم فإمّا مكّنتموني من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفوني
وتسلّموا الديوان دفعة، فاعملوا به ما شئتم، وخذوا منه ما أردتم، ودعوا ما أردتم،
أمّا أن يفعل شيء منه على يدي، فو الله لا كان هذا ولو عرضت على السيف.
ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيّاره، وهو لا يشكّ في الصرف،
فصعد إلى ابن الفرات، فحدّثه بالحديث، وهو وزير.
فقال: ألا دافعت عن الجواب، وعرّفتني حتى كنت أتلافى ذلك،
الآن أنت مصروف، ولا حيلة لي مع السيّدة في أمرك.
قال: وأدّت القهرمانة الرسالة إلى السيّدة، فشكته إلى
المقتدر. فلمّا كان في يوم الموكب، خاطبه المقتدر شفاها في ذلك، فكشف له الصورة،
وقال مثل ذلك القول في الاستعفاء. فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد يقلّد القضاء،
أقم على ما أنت عليه، بارك الله فيك، ولا تخف أن يثلم ذلك عرضك عندنا. قال: فلما
عاودته السيّدة، بلغنا أنّه قال لها: الأحكام ما لا طريق إلى اللعب به، وابن البهلول
مأمون علينا، محبّ لدولتنا، وهو شيخ ديّن، مستجاب الدعوة، ولو كان هذا شيء يجوز،
ما منعك إيّاه.
فسألت السيّدة كاتبها ابن عبد الحميد عن ذلك، وشرحت له الأمر.
فلما سمع ما قاله جدّي، بكى بكاء شديدا- وكان شيخا صالحا من شيوخ الكتّاب- وقال:
الآن علمت أنّ دولة السيّدة وأمير المؤمنين تبقى، وتثبت أركانها، إذ كان فيها مثل
هذا الشيخ الصالح الذي يقيم الحقّ على السيّدة، ولا يخاف في الله لومة لائم. فأيّ
شيء يساوي شراؤكم لوقف؟ وإن أخذتم كتابه فخرّقتموه، فأمره شائع ذائع، والله فوق كل
شيء، وبه عالم. فقالت السيّدة: وكأنّ هذا لا يجوز؟ فقال لها: لا، هذه حيلة من
أرباب الوقف على مال الله، وأعلمها أنّ الشراء لا يصحّ بتخريق كتاب الوقف، وهذا لا
يحلّ. فارتجعت المال، وفسخت الشراء، وعادت تشكر جدّي، وانقلب ذلك له أثرا جميلا
عندهم.فقال لنا جدّي بعد ذلك: من قدّم أمر الله تعالى على أمر المخلوقين كفاه الله
شرّهم.
يا رب عليك بمن كان سببا في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ــــــــــــــــ
نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (1/ 242)
الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة ابن القيم(4/
1560)
شرح الطحاوية - الأذرعي (ص: 168)
القهرمان المسيطر على من تحت يديه الحفيظ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق