الثلاثاء، 21 يوليو 2015

الرشوة داء أم دواء

الرشوة داء أم دواء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل صلاة وأكمل سلام الحمد لله خالق كل شيء صورنا فأحسن خلقنا وفضلنا على كثير مم خلق ، وهدنا سبل الخير ، وحذرنا من أن نسلك طريق الشيطان ، لم يخلقنا عبثاً ، وكان من كرمه أن أحبنا لنحب بحبه لنا كل خير ونكره ونبتعد عن كل شر ، نستن بذلك بمن أرسلهم لنا هداية ورحمة أنبياؤه وأصفياؤه ، جعلهم لنا دليل كل خير ، ومن خلالهم منحنا الطمأنينة اليقينية لكي يبعد عنا الخوف ، تجاه أهم قضيتين قد تثيران القلق في حياتنا وهي بدء الحياة ونهايتها فجعلها بيده ، هو الذي وهبها وهو القادر على إنهائها في الزمان والمكان الذي شاء وكذلك الرزق فضمنه حتى لمن عصاه ، فأقسم وهو الغني عن القسم {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } سبحان ربي العالمين ، ومم سنخاف بعد ذلك ، نعم خوف وحيد يجب أن لا يفارقنا ، هل استيقنا ؟ أم لم نستيقن ! والعياذ بالله تعالى ، لقد أكد جلَّ في علاه ، وحتى يبعث الراحة في أنفسنا أن الرزق لا يحتاج للسرعة بل مجرد البحث الهادئ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } فقد ضمن ربي عز وجلَّ وصوله فلا حاجة في أن ننهك أنفسنا في طلبه فهو آت آت 0وجعل السرعة لنيل رضاه فقال جلّ وعلا{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ( وعن أبي  قال إن الله يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدهريرة عن النبي  فقرك وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك ) وهنا إن العبودية حالة حياتية دائمة يحياها لتشمل كل أمره فهو بهذا المعنى في حالة عبودية دائمة وبالتالي عندما يصل الإنسان إلى درجة اليقين تجاه أخطر شيئين يخشاهما في حياته وهما الحياة والرزق ، ولا أقصد باليقين ذلك الإيمان العقلي فحسب ، بل اليقين العقلي الذي يتحول إلى سلوكا حياتياً معاشاً، فلن يقدر مخلوق مهما بلغ من أسباب القوة أن يمنع نفعا شاء الله أن يسوقه ، أو ضررا لم يكن بقدر الله 0 فعن بن عباس قال كنت خلف رسول الله يوما فقال ثم يا غلام إني أعلمك كلمات إحفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ولعلي أستطيع بمشيئة الله تعالى وفي هذه السطور تسليط الضوء على هذه القضية وأسأل الله تعلى أن يلهمني الصواب وأن يوفقني للسداد 0في البداية لابد من إعطاء فكرة عن الرشوة من حيث معناها اللغوي ومرادفاتها ، فلقد برع الناس في منحها أسماءً وصفات ، قصد ، فألبسوها ثوباً يُسَّهل تسويقها و يخفف من تأثيرها غير الايجابي على الآخرين ، ولعل ذلك من أساليب الشيطان للتغرير في نفوس البشر وسوقهم للانحراف بإبعاد المقصود حتى يسهل على المرء الانخراط في شباكه وحبائله 0 ففي لسان العرب : قال سيبويه من العرب من يقول رشوة و رشى ، والأصل رشى وأكثر العرب يقول رشى و رشاه يرشوه رشوا أعطاه الرشوة وقد رشا رشوة وارتشى منه رشوة إذا أخذها و راشاه حاباه وترشاه لاينه وراشاه إذا ظاهره 0 قال أبو العباس الرشوة مأخوذة من رشا الفرخ إذا مد رأسه إلى أمه لتزقه أبو عبيد الرشا من أولاد الظباء الذي قد تحرك وتمشى و الرشاء رسن الدلو و الرائش الذي يسدي بين الراشي و المرتشي 00 قال ابن الأثير الرشوة و الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل و المرتشي الآخذ و الرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه وروي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلي سبيله وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم وقال الزمخشري في معنى الرشوة رشا ، والرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة من الرشاء وقد رشاه يرشوه رشوا فارتشى ويذكر المناوي أن الرشوة هي السحت الحرام الذي يلزم صاحبه العار كأنه يسحت دينه ومروءته وتسمى الرشوة سحتا 0ويدخل في معنى الرشوة البرطيل ، فيقول صاحب الفائق : البرطيل هو حجر مستطيل شبرا وذراعا ويجمع نصلا وأنصلة ويقال للفأس النصيل ، البرطيل بكسر الباء الرشوة وفي المثل( البراطيل تنصر الأباطيل) و البرطيل هو المعول لأنه يخرج به ما استتر وفتح الباء ويدخل في معناها أيضا ما يسمى الحلوان ففي الأمالي : الحلوان الرّشوة التي يرشاها الكاهن على كهانته وغير الكاهن، يقال: حلوت الرجل أحلوه حلواناً قال الشاعر:كأنّي حلوت الشّعر يوم مدحته صفا صخرةٍ صماّء يبسٍ بلالهاوالحلوان ما يأخذه الرجل من مهر ابنته، ثم اتّسع فيه حتى قيل في الرشوة والعطية، قالت امرأة من العرب تمدح زوجها لا يأخذ الحلوان من بناتيا" ، ثم إن الإغراء وما شاكله من معان شيطانية تستخدم بين الناس للتعبير عن مسمى واحدا هو الرشوة0 واللطف أيضا رشوة قال محمد بن مكي: اللطف رشوة من لا رشوة له. أشد ما على السخي عند ذهاب ما له ملامة من كان يمدحه وجفاء من كان يبره. والمدح في كثير من صيغه رشوة أيضاً ففي صحيح مسلم فيما رواه أبو موسى قال ثم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثنى على رجل ويطريه في المدحة ( فقال لقد أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ) وفيه عن أبي معمر قال قام رجل يثنى على أمير من  أن نحثي في وجوهالأمراء فجعل المقداد يحثي عليه التراب وقال ثم أمرنا رسول الله  المداحين التراب 0 والمدح من الله تعالى حقيقة هذا مصلحة للعباد لأنهم يثنون عليه سبحانه وتعالى فيثيبهم فينتفعون وهو سبحانه غني عن العالمين لا ينفعه مدحهم تركهم ذلك وفيه تنبيه على فضل الثناء سبحانه وتعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره ويمكنني أن أتجاوز في المعنى لأقول إن الإعلام في اجماليه اليوم ما هو في الحقيقة إلا أسلوب جديد للرشوة تخدع الناس بأساليب شتى لتمرير مكاسب غير مشروعة كالدعاية الكاذبة، بل وصل الأمر بالناس إلى تغيير خلق الله لتسويق الأشكال والتلاعب في خلق الله ، بإغراءات تظهر المصطنع من وتخفي الحقيقة في الخلق لتسويق الشكل على غير صورته ،وهذا شأن كل من كان همه الكسب غير المشروع اليوم ، إغراء وإيهام ورشوة تحقق لذة عابرة وبعد يصل المرء إلى دهليز يقود للدماره والهلاك 0 نعم وسامحوني على هذا التعبير ، فالرشوة في بعض الأحيان إغراءُ مباح في غايته ووسيلته ! أليس الوعد بالجنة شكلا من أشكال الرشوة جعلها الخالق جلّ في علاه سبباً يشد بها عباده لطاعته ويكافؤهم عليها ، وهو غير محتاج لذلك 0آيات من كتاب الله تعالى تغري من اتخذ من الله رباً ولبس ثوب العبودية له برشوة ، هي في أولها وآخرها مصلحة للعبد في حياته وبعد موته ، هذا سيدنا أبو بكر الصديق وهو أول رجل دعي للإسلام فكان أول الداخلين يضرب مثل لفعل ما ذكرناه والقصة مشهورة عند كل من قرأ كتاب الله 0قال الله تعالى ]وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } نعم لقد نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خالته المسكين والمهاجر والبدري ، لما خاض في قصة الإفك بعد أن كان ينفق عليه إضافة إلى أناس من الصحابة أقسموا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشيء من الإفك فقال أبو بكر بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح ما كان ينفقه عليهألسنا وفي كثر من الأحيان نغري أطفالنا بوسائل يصعب حصرها لدفعهم ولنصل بهم للهدف الذي نريد على أن تكون الغاية والوسيلة والأسلوب ضمن إطار الصدق بعيد في محتواه عن الغش والكذب0ولكن شتان بين ما أقول وما أريد الحديث عنه ، فنحن بصدد طرح مشكلة بل داء فتك ومازال يفتك ويهدم ، ولا دواء ، بل الأصح لا توجد رغبة في العلاج ، دول تقدم رشوة لدول أخرى ، وشعوب تذبح وضمائر تباع ، والداء يتفاقم ولا دواء 000أطباء المجتمعات الإنسانية والمخلصون منهم ، يطرحون العلاج بصور مختلفة ، إلا أن المفروض بالدواء أن يقف في الداء ، يوقف انتشاره ويقضي عليه ، لتعم الصحة الجسم الاجتماعي كله ليعود صحيحا معافى 0دعوات إلى إحياء الضمير وأخرى تدعو للرقابة ! تحاول طرح أسئلة توصلك إلى إجابات عقيمة : ولكن كيف أحيي ضميري ؟ ولماذا وما هي المصلحة في ذلك؟ وماذا أجني من وراء ذلك ؟ ويأتيك الجواب نعم يقولون تكسب راحة الضمير ، لا أسرق ولا أرتشي ! لماذا لأعيش في راحة الضمير وإبليس يقول لي يا هذا كم ستعيش أتترك غيرك يكسب المال والمنصب ثم تتساوى معه في النهاية فقط لتصدق كذبة صاغها إبليس نفسه عنوانها الضمير الحي 0أمان من يدعو للرقابة والرقابة الصارمة ، يفترض طرح سؤال لا غنى عنه ، ما المقصود بالمراقبة ؟ وكيف تتم ؟ ثم ترى من يراقب من ؟ لكي نصل إلى الحياة الإنسانية التي نصبو ونطمح 0هل بالإمكان أن يراقب المجتمع بعضه البعض ؟! لا أشك أنه أمر فيه استحالة بل من غير المعقول 0أدوية تعمي البصيرة ليبتعد الخلق عن حقيقة الداء والدواء ، والحق أنني لم أسمع في حياتي عن رجل وصف نفسه بأنه خال من الضمير حتى الذي يسرق الناس علنا نجده يقفُ ويظهر الخشوع في صلاته ، مدراء ورؤساء دوائر ، لا يفتر لسانها عن الحق والعدل ، وهم مغموسون في بعدهم عن تطبيقه ، لأن الحق فقط فيما يقولون وليس فيما يفعلون 0 قصص وحكايات تتناثر في كتب التاريخ تحكي قصة مرض خبيث اسمه الرشوة ، وترسم المعاناة بين صورتين صورة الراشي وصورة المرتشي ، وبكل أشكال الرشوة وصورها ولسان حالها ينادي الخلق كل الخلق أنا إحدى حبائل الشيطان فلا أصلح إلا لتدمير المجتمع وتقطيع أول أوصاله ، لا أبالي بفقير أو صاحب حق أجبر على معاشرتي كأسلوب حياة للوصول إلى حقه ، أصدقائي أصاحب النفوس الضعيفة ، الذين باعوا مروءتهم بل باعوا إنسانيتهم من أجلي متصورين بذلك الحياة فرصة مادية إن أقلبت فلن تعود 0لقد تناسوا متعمدين أن الإنسان لن ينال إلا ما قُسم له ، يتعلقون بمظاهر سعادة وقتية تخبئ ورائها الدمار والهلاك  وصلى الله على معلم الناس الخير حيث قال   قال : 00ثم من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله فيعن أبو سلمة ألحمصي أن رسول الله  نهابر 0ولنذهب قليل نساءل التاريخ عن قصص تروى عن الرُشات والمرتشين ، ولنبدأ بمن عرف الداء والدواء ، فمن أخبار عمر بن عبد العزيز يرحمه الله تعالى قال عمرو بن مهاجر اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا فقال ما أطيب ريحه وأحسنه أرفعه يا غلام للذي أتى به واقرىء فلانا السلام وقل له إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي  هدية وهي لنا اليوم رشوة كان يأكل الهدية فقال ويحك إن الهدية كانت للنبي  الخليفة الرشيد يرحمه الله ، حج الرشيد سنة ست وثمانين ومائة هـ وعند دخوله مكة انبرى إليه العُمَري فقال: يا أمير المؤمنين، قف حتى أكُلّمك! فقال: أرسلوا زِمَام الناقة، فأرسلوه،فوقفت فكأنما أوتِدَت، فقال: أقول؟ قال: قل، فقال: اعزل عنّا إسماعيل بن القاسم قال:ولم؟ قال: لأنه يقبل الرشوة، ويُطِيل النَّشوة، ويضرب بالعشوة، قال: قد عزلناه عنك. الخليفة المهتدي بالله كان من أحسن الخلفاء مذهبا وأجملهم طريقة وأظهرهم ورعا وأكثرهم عبادة قال عبد الله بن إبراهيم الاسكافي جلس المهتدي للمظالم فاستعداه رجل على ابن له فأمر بإحضاره فأحضر وأقامه إلى جانب خصمه ليحكم بينهما فقال الرجل للمهتدي والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قيل حكمتوه قاضيــا بينكم أبلــج مثل القمر الزاهر   لا يقبل الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر وهذا الناصر محمد قلاوون هـ 678 وكان ملكا عظيما جليلا كفؤا للسلطنة ذا دهاء محبا للعدل والعمارة وطابت مدته وشاع ذكره وطار صيته في الآفاق وهابته الأسود وخطب له في بلاد بعيدة وكان من جملة ومن محاسنه أنه اسقط جميع المكوس في مصر والشام وأبطل الرشوة وعاقب عليها فلا يتقلد المناصب إلا مستحقها بعد التروي والامتحان واتفاق الرأي ولا يقضي إلا بالحق فكانت أيامه سعيدة وأفعاله حميدة أما من كانت الرشوة ديدن حياته ، فأمثلة ذلك من التاريخ والواقع لا تخفيها خافية ، بل لقد أذلت أصحابها لدرجة المباهاة بفعلها ، والأشد إيلاماً ، أن الناس قد استيقنوا من ضرورة بذل الرشوة حتى لن يصدقك أحد إن قلت أن رئيس دائرة أو من أو تحت إمرته من الذين لا يقبلون الرشوة فأنت تسمع جوابا ( لا تصدق يا أخي ، مو معقول ) ففي كتب التاريخ : كان يحيى بن خالد وزير بني العباس قد ولى سعدان الديوان، فكان يرتشي، ولا يقضي حاجةً لأحدٍ ما لم يأخذ رشوةً؛ حتى قال فيه الشاعر:
صب في قنديل سعدان مع التسـليم زيتا وقنــــاديل بنيه قبل أن يخفي الكميتاوصب الزيت في القنديل كناية عن الرشوة؛ فلما شهر بالارتشاء عزله يحيى، وولى مكانه أبا صالح بن ميمون، فكان يربو على سعدان في الارتشاء وفرط الطمع؛ فقيل فيه:قنديل سعدان على ضوئه فرخ لقنديل أبي صالحتراه في دــيوانه أحولاً من لمحه للدرهم اللائح
فعزله يحيى وأعاد سعدان إلى عمله. وهذا السلطان سليم ابن السلطان سليمان كان لوالده مصاحب يدعى شمسي باشا العجمي 00 فأقره السلطان سليم شمسي باشا العجمي على ما كان عليه أيام والده وكان شمسي باشا له مداخل عجيبة وحيل غريبة يلقيها في قالب مرض ومصاحبة يسحر بها العقول فقصد أن يدخل شيئا منكرا يكون سببا لخلخلة دولة آل عثمان وهو قبول الرشا من أرباب الولاة والعمال فلما تمكن من مصاحبة السلطان قال له على سبيل العرض عبدكم فلان المعزول من منصب كذا وليس بيده منصب الآن قصده من فيض إنعامكم عليه المنصب الفلاني ويدفع إلى الخزينة كذا وكذا فلما سمع السلطان سليم ما أبداه شمسي باشا علم أنها مكيدة منه وقصده إدخال السوء بيت آل عثمان فتغير مزاجه فعلم مراده والحقيقة أن اليهود قد الخلق في إتباع الرشوة كوسيلة لا غنى عناه ، والحقيقة أيضا أن الرشوة عند ليس لها حد فكل شيء يمكن أن يصل بهم إلى مرادهم فهو غاية وسبيل مشروع ، وفي أعلى القائمة المال والنساء إلى درجة المباح المطلق ، فإن لم ورِّط المرء ظلما وبهتاناً في أمر هو منه براء ، كما فعلوا مع لويس وماري أنطوانيت 0وكذلك مع السلطان عبد الحميد الثاني يرحمه الله عند لم يقبل هديتهم ( رشوتهم ) بشأن فلسطين كانت النتيجة أن أقيل لا بل أتوا بواحد دمر تركيا بطغيانه وجبروته أطاع اليهود كطاعة النمرود له 0وهم في برتوكولاتهم أكدوا على أساليب ستكون وسيلة رشوة تقدم للمجتمعات تلهيهم عن مؤامراتهم ومكائدهم ، كالرياضة والفن وما شاكل ذلك 0وقد يقول قائل هاهي دول الغرب وبعض دول الشرق ، فلقد وصلوا للقمر بعلومهم ، وديمقراطيتهم والعدالة الاجتماعية عندهم والحقوق الإنسان المصانة لديهم ، لقد وضعوا الرشوة في قفص من حديد وقيدوا أرجلها وأيدها فشلوا حركتها 0 أقوال نعم لقد وصلوا القمر بعلومهم التطبيقية الخالية من أي صفة إنسانية بدليل استخداماتها، :كما أن حقوق الإنسان مصانة عندهم إلا ما خالف هواهم وقصة روجيه غارودي وغيره غيض من فيض ، ثم الديمقراطية لديهم شكل لكنه خاو من العدالة في الترشيح ومن لديه أي خبرة في مجريات الانتخابات لديهم يعلم أن من يصل إلى كرسي السلطة أشخاص هم في خدم لمصلحة آخرين وراء الستار يحققون مآربهم ، فوعد بلفور الحرب العالمية كانت بدوافع غير إنسانية لا من قريب ولا من بعيد 0واليابان رائدة ومثال يحتذى لكل الدول في تحقيق التطور المادي ، لكن الرشوة حالة واقعة وشأن حياتي فيها ومن القمة وحتى القاعدة قادة ووزراء أقيلوا بسبب الرشوة وتعاطيها 0وللصد ق أقول أيضاً أن بعض دول العالم المتمدن قد استطاعت تحجيمها والحد منها للكنها باقية كحقل ألغام يصطاد الناس بين الحين والآخر0وأما عنا نحن العرب والمسلمون فالرشوة عندنا قضية تبكي ، لا بل تدمع القلب ولكني وانطلاقا من مهنتي أسأل العافية من هذا البلاء 0سبحان الله يأتيك الرجل لا ليدفع لك الرشوة مقابل عدم ضياع السنة على ابنه فقط ، لا بل يريد منك نجاه ومجموع درجات تجعله من الأوائل ! وتسأله بالله لِم فيقول جد ابني سيقدم هدية ذات قيمة لابن أخي ، والحقيقة أن ابني أحق بها منه لأسباب هي خاوية في الحقيقة عن أي عرف اجتماعي وإنساني 0 سبحان الله العظيم أيها الأخوة سأختم كلامي بقصة في قصيدة مضى على نظمها عقود من السنين وهي التي ستحكي عن نفسها وتعرفنا بموضوعهاقصة لص دفعته الحاجة إلى السرقة ، فزج به في السجن ، ثم ذهبت زوجته تلتمس نجاته بالرشوة ، فلم يُرضِ المرتشين إلا أن يساوموها على عرضها 0 ففي تصويره لفقر اللص الذي دفعه للسرقة يقول :  صِبْيةٌ بعضُهم يسبق البعـــــضَ    هزالاً بفضل ســـوء الغذاء وبناتٌ مثل الملائك حســــــناً    عارياتٌ يندبن حال الشـــــقاءحول أمٍّ تقرحت مقلتـــــــاها     من دواهـــي الزمان والأزراء  تشتكي البرد ، لا كســــاء يقيها     لذعـــة القرِّ لا وقود اصطلاءِ  كم نهــــارٍ ، كم ليلة قد  قضتها    بين نوحٍ وحســــــرةٍ وبكاءِ ظلمات    صــتواعق     وبروق     ورياح تهبُ فصل الشـــــتاءِ  لا بساــــــطٌ ولا فراشٌ وثيرٌ    لا ســــراج يُنيل بعض الضياء  شرفات بلا ســـــدول وسقف     دام بالوكفِ ممطراً ســــيل ماءِوتذهب المرأة تسعى لإنقاذ زوجها :  زوجة اللص بادرت بعد شـــهر     نحو مَغْنَى رئيـــس رهط القضاء حال دون اللقاء حُجَّابُ بــــاب      نفحتهم بليرة صــــــــفراء  أدخلوهـــا مقصورةً ذاتَ عرشٍ     فوقه ماكرٌ كثير الدهـــــــاء  قبَّلتْ هُدْبهُ ثــــــــم خرَّت    فرماها بنظرة الكبريـــــــاء  ســـــــألته فكاك زوجٍ أثيمٍ     رحمـــــــة بالبنات والأبناءْ وحبتـــــه بعض المئات نقوداً    فاحتـــــــواها بغلظة وجفاء
هَــــــلاَّ أقنعتِ بعض رفاقي     فقوام الرؤوس بالأعضــــــاء خرجت تذرف الـــدموع غزاراً     نحو عضوٍ يعز بالفحشــــــاء  رام منها لكي تنال رضــــاه      ما إليه نشــــــــير بالإيماء
فهل خرج اللص
لزم السجن زوجها ورجال الْــ        ـبغْيَ فازوا بســـــؤدد وعلاءِ
واللصوص الكبار صاروا قضاةً        واللصوص الصغار أهل الشـــقاء . سلبوا المال رشوة واستباحوا الـ      ـعرض جهراً وهم من العظمـــاء وإذا قيـــل من لنيل المعالي ؟      قيل هذا وذاك دون امـــــتراء وإذا عُدَّ معشـــرُ الفضل يوماً      حســـــبوهم من أفضل الأذكياء أبهذا ومثل هــــذا صلاحٌ ؟       لا ، وربّ الأنباء والأنبيــــاء المدرس هشام كرامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق