الأربعاء، 25 يناير 2023

عمرو بن معد يكرب من أشجع فرسان العرب حكاية سيفه مع أمير المؤمنين عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

عمرو بن معد يكرب من أشجع فرسان العرب

حكاية سيفه مع أمير المؤمنين عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه

يروى أن عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً: مَنْ أجود العرب؟ قيل له: حاتم الطائي. قال: فمن شاعرها؟ قيل له: امرؤ القيس. قال: فأي سيوفها أمضى؟) قيل (: صَمْصَامة عمرو بن مَعْد يكَرِبَ الزُّبيدي. قال. فبعث عُمَرُ إلى عَمْرو أن يبعث إليه سيفه المعروف بالصَّمصَامة، فبعث به إليه، لما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه عنه؛ فكتب إليه في ذلك، فرد إليه: إني إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به.

وسأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عمرو بن معد يكرب الزّبيدي: من أشجع من رأيت؟ فقال: واللّه يا أمير المؤمنين لأخبرنك عن أحيل الناس، وعن أشجع الناس، وعن أجبن الناس. فقال له عمر: هات. فقال: أربعت المدينة، فخرجت كأحسن ما رأيت، وكانت لي فرس شمقمقة طويلة سريعة الإبقاء تمطّق بالعرق تمطق الشيخ بالمرق، فركبتها، ثم آليت لا ألقي أحدا إلا قتلته. فخرجت فإذا أنا بفتى بين غرضين ، فقلت له: خذ حذرك، فإني قاتلك. فقال: واللّه ما أنصفتني يا أبا ثور، أنا كما ترى أعزل أميل عوّارة فأنظرتي حتى آخذ نبلي. فقلت: وما غناؤها عنك؟ قال: أمتنع بها. قلت: خذها. قال: لا واللّه أو تعطيني من العهود ما يثلجني أنك لا تروّعني حتى آخذها. فأثلجته، فقال: وإله قريش لا آخذها أبدا. فسلم واللّه مني وذهبت؛ فهذا أحيل الناس. ثم مضيت حتى اشتمل عليّ الليل، فو اللّه إنيّ لأسير في قمر زاهر ، كالنور الظاهر ، إذا بفتى على فرس يقود ظعينة، وهو يقول:

يا لدينا يا لدينا ... ليتنا يعدى علينا

ثم يبلى ما لدينا

ثم يخرج حنظلة من مخلاته، فيرمي بها في السماء، فلا تبلغ الأرض حتى ينظمها بمشقص من نبله. فصحت به: خذ حذرك ثكلتك أمك، فإني قاتلك. فمال عن فرسه فإذا هو في الأرض. فقلت: إن هذا إلا استخفاف. فدنوت منه، وصحت به: ويلك: ما أجهلك! فما تحلحل ولا زال عن موضعه، فشككت الرمح في إهابه، فإذا هو كأنه قد مات منذ سنة، فمضيت وتركته؛ فهذا أجبن الناس.

ثم مضيت فأصبحت بين دكادك و هرشى  إلى غزال  ( مواقع )، فنظرت إلى أبيات، فعدلت إليها، فإذا فيها جوار ثلاث، كأنهن نجوم الثريا. فبكين حين رأينني، فقلت: ما يبكيكن؟ فقلن: لما ابتليتا به منك، ومن ورائنا أخت هي أجمل منا. فأشرفت من فدفد، فإذا بمن لم أر شيئا قط أحسن من وجهه، وإذا بغلام يخصف نعله، عليه ذؤابة يسحبها. فلما نظر إليّ وثب على الفرس مبادرا، ثم ركض، فسبقني إلى البيوت، فوجدهن قد ارتعن، فسمعته يقول لهن:

مهلا نسيّاتي إذن لا ترتعن ... إن يمنع اليوم نساء تمنعن

أرخين أذيال المروط وارتعن

فلما دنوت منه، قال: أتطردني أم اطردك؟ قلت: أطردك. فركض وركضت في أثره، حتى إذا مكنت السنان في لفتته - واللفتة أسفل من الكتف - اتكأت عليه، فإذا هو واللّه مع لبب  فرسه، ثم استوى في سرجه. فقلت: أقلني. قال: اطرد. فتبعته حتى إذا ظننت أن السنان في ماضغيه اعتمدت عليه، فإذا هو واللّه قائم على الأرض، والسنان ماض زالج. واستوى على فرسه، فقلت: أقلني. قال: اطرد. فطردته، حتى إذا مكنت السنان في متنه، اتكأت عليه وأنا أظن أني قد فرغت منه، فمال في ظهر فرسه حتى نظرت إلى يديه في الأرض، ومضى السنان زالجا. ثم استوى وقال: أبعد ثلاث؟ تريد ماذا؟ اطردني ثكلتك أمك. فوليت وأنا مرعوب منه. فلما غشيني ووجدت حسن السنان، التفت فإذا هو يطردني بالرمح بلا سنان، فكف عني واستنزلني، فنزلت ونزل، فجز ناصيتي، وقال: انطلق، فإني أنفس بك عن القتل. فكان ذلك واللّه يا أمير المؤمنين عندي أشد من الموت؛ فذاك أشجع من رأيت. وسألت عن الفتى، فقيل: ربيعة بن مكدم الفراسي، من بني كنانة.

يا رب فرج عن سوريا وأهل سويا

ــــــــــــــــ

سمط اللآلي في شرح أمالي القالي (1/ 911)

الأغاني (16/ 316)

حلية الفرسان وشعار الشجعان - علي بن عبد الرحمن بن هذيل الفزاري الأندلسي (ص: 42)

 

عوّارة : لا سيف لدي

الشمقمقة: الطويلة.

يريد بشريعة الإبقاء، أنها تسرع استثناف الجري بعد التعب.

التمطق: إلصاق اللسان بالغار الأعلى، فيسمع له صوت عند استطابة الشيء، يريد أن العرق يسيل من وجهها إلى فمها، فتتمطق، لالفها الجري ومزاولة الأسفار.

المقد: حديدة يقد بها الجلد، يريد بها سيفه.

الغرض: شعبة في الوادي غير كاملة.

اعزل: لا سلاح معه. وأميل: لا يستقر على الخيل.

المشقص: نصل طويل غير عريض.

لبب الفرس: نحره.

الدكادك: جمع دكدك، وهو ما تلبد من الرمل بعضه على بعض بالأرض، ولم يرتفع كثيرا.

هرشى: هضبة ململمة لا تنبت شيئا، على ملتقى طريق الشام وطريق المدينة إلى مكة.

المشقص: نصل طويل غير عريض.

غزال: واد بين هرشى والجحفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق