الأحد، 18 ديسمبر 2022

شذرات في حياة شاعر ، ولنا فيه درس في الحياة نصيب بن رباح أبو محجن.? - 108 هـ / ? - 726 م

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

شذرات في حياة شاعر ، ولنا فيه درس في الحياة

نصيب بن رباح أبو محجن.? - 108 هـ / ? - 726 م

كانَ نُصَيْب من اهل وَدّان، وكان عبداً لرجل من بني كِنانة هو ، وكان عبداً لرجل من بني كِنانة هو وأهل بيته، وكان مقدماً عند الملوك، يجيد مدحهم ومراثيهم ، قال اسحق حدثني رجل من اهل كلية، من خزاعة، وكلية: قرية كان يكون بها نصيب، وكثير، قال بلغني أن نصيباً قال: قلت الشعر وانا شاب فأعجبني قولي، ثم اتهمت رأيي ونفسي، فجعلت آتي أشياخاً من خزاعة، وأَنشَدَهم القصيدة من شعري، ثم انسبها إلى بعض شعرائهم، فيقولون: احسن والله، هذا الكلام، وهكذا الشعر، فلمّا سمعت ذلك منهم علمت أني محسن، فأزمعت الخروج إلى عبد العزيز بن مروان، وهو يومئ ذ بمصر، فقلت لأختي امامة - وكانت عاقلة -: أي أخت إني قلت شعراً، وانا أريد عبد العزيز بن مروان، فأرجوا أن يعتقك الله به، وكل من رق من قرابتي. قالت: إنا لله وإنا اليه راجعون يا بن أم، اتجمع عليك الخصلتين: السواد، وأن تكون ضحكة للناس؟ قال: قلت: فأسمعي، فأَنشَدَتها، فقالت: بأبي أنت أحسنت والله، في هذا والله رجاء عظيم، فأخرج على بركة الله، فخرجت على قعود لي فأتيت المدينة، فوجدت بها الفرزدق في مسجد النبي صلى الله وسلم، فهويت إليه فقلت، أَنشَدَه واستنشده، وأعرض عليه شعري، فأَنشَدَته، فقال لي، ويلك هذا شعرك الذي تطلب به الملوك ؟ قلت: نعم: قال: لست في شئ، إن استطعت أن تكتم هذا على نفسك فأفعل، وحصبني رجل من قريش كان قريباً من الفرزدق، سمع إنشادي، وسمع ما قال الفرزدق، فأوما الي، فقمت إليه، فقال: ويحك هذا شعرك الذي أَنشَدَته الفرزدق؟ قلت: نعم، قال: فقد احسنت والله، والله أن كان الرزدق لشاعراً إنك لتعرف محاسن الشعر، وقد والله حسدك، فأمض لوجهك، ولا يكسرك ما قال، فسرني قوله، وعلمت أنه قد صدقني، قال: فاعتزمت المضي إلى عبد العزيز فحضرت بابه مع الناس، فنحيت عن مجلس الوجوه، فكنت وراهم، فرأيت رجلاً على بغلة حسن الهيئة، يؤذن له إذا جاء، فلمّا انصرف إلى منزله انصرفت معه أماشي دابته، فلمّا رآني قال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، انا رجل من اهل الحجاز، شاعر، وقد مدحت الأمير، وخرجت إليه راجياً لمعروفه، وقد اخرت عن الباب ونحيت، قال: فأَنشَدَني، فأَنشَدَته، فأعجبه شعري، فقال: ويحك! هذا شعرك؟ إياك أن تنحل، فإن الأمير راوية، عالم بالشعر، وعنده رواة، فلا تفضحن نفسك، فقلت: والله ما هو إلا شعري، قال: فقل أبياتاً تذكر فيها حوف مصر وتفضلها على غيرها، والقني بها غداً، فغدوت عليه، وأَنشَدَته:

سرى الهم تثنيني إليك طلائعه ... بمصر وبالحوف اعترتني روائعه

وبات وسادي ساعد قل لحمه ... عن العظم، حتى كاد تبدو واشاجعه

قال: وذكرت فيها الغيث فقلت:

وكم دون ذاك العارض البارق الذي ... له اشتقت من وجه أسيل مدامعه

يمشي به افناء بكر ومذحج ... وأفناء عمرو وهو خصب مرابعه

بكل مسيل من تهامة طيب ... دميث الربا تسقى البحار دوافعه

قال: انت والله شاعر، احضر الباب فأني ذاكرك، فجلست على الباب، ودخل فما ظننت انه أمكنه أن يذكرني حتى دعي بي، فدخلت فسلمت على عبد العزيز فصعد في بصره وصوب، ثم قال: أشاعر؟ ويلك! قلت: نعم أيها الامير، قال: فأَنشَدَني، فأَنشَدَته فاعجبه شعري، وجاءه الحاجب فقال: أيها الامير. هذا أيمن بن خريم الأَسَدِيُّ بالباب، قال: فأذن له، فدخل، فأطمأن، فقال له: يا أيمن، كم ترى ثمن هذا العبد؟ فنظر الي فقال: انه لنعم الغادي أثر المخاض، ثمنه مئة دينار، قال: فأن له شعرا وفصاحة، قال لي أيمن: اتقول الشعر؟ قلت: نعم، قال: فثمنه ثلاثون دينارا، قال: يا أيمن ارفعه وتخفضه؟ قال: لانه احمق، ما لهذا وللشعر؟، مثل هذا يقول الشعر ويحسنه؟ قال: أَنشَدَه يا نصيب، فأَنشَدَته، فقال له عبد العزيز: كيف تسمع؟ قال: شعر اسود، وهو أشعر اهل جلدته، قال: هو والله أشعر منك .  وظللت مع الأمير وما لبث أن شاع شعري . وعن اسحاق بن ابراهيم قال: بلغني ان نصيبا كان اما قدم على هشام اخلى له مجلسا، واستنشده مراثى أبيه، وبكى معه، فأَنشَدَه يوما مديحا له في قصيدة طويلة، يقول فيها:

اذا استبق الناس العلا سبقتهم ... يمينك عفوا ثم صلت شمالكا

فقال له هشام: بلغت غاية المدح فسلني اعطك، قال: يدك بالعطية اجود وابسط من لساني بالمسألة، فأمر له بخمسين الفا، وما اجاز هشام بها احدا قط. وعن اسحاق بن ابراهيم قال: كان نصيب يتتبع كل من كانت بينه وبينه قرابة فيشتريه ويعتقه، فبقي ابن عم له يقال له سحيم عند رجل من الاعراب، فقال لسيده: بعنى ابن عمى، هذا الذي عندك، فأبى عليه، فقال له نصيب: كم الذي تسأل به؟ فذكر شيئا كثيرا، فقال له: يقنعك هذا؟ قال: نعم، قال: قد اخذته على ان تمهلني في الثمن حتى اسعى فيه فأجمعه، قال: فمن يكفيني امر غنمي؟ قلت: غلامي هذا، وهو اجلد منه، يقوم فيه كله، فرضى به، وخرجت فطلبت ثمنه، وسألت فيه حتى اتمه الله، وجئته فدفعته اليه، واعتقت سحيما، فكان معي، فبينا انا يوما في بعض الطريق اذا الناس مجتمعون ينظرون، فملت اليهم، فاذا سحيم وسطهم سكران باتُّ يزمر ويرقص، فلمّا رآني طرح المزمار من يده، قلت: سحيم، قال: سحيم، والله لئن كنت اعتقتني لمّا تحب فو الله ما انا كما تحب، وان كنت اعتقتني لمّا احب فهذا الذي احب، فقلت:

اني اراني لسحيم قائلا ... ان سحيما لم يثبني طائلا

ولم يكن بر الفؤاد واصلا ... نسيت اعمالي لك الرواحلا

وقرعي الابواب فيك سائلا ... حتى اذا انست خيرا عاجلا

وليتني منك القفا والكاهلا ... اخلقا شكسا ولونا حائلا

ودخل نصيب على يزيد بن عبد الملك، فقال له: حدّثني يا نصيب ببعض ما مرّ عليك. فقال: نعم، يا أمير المؤمنين! علّقت جارية حمراء، فمكثت زمانا تمنّيني بالأباطيل، فلمّا ألححت عليها قالت: إليك عنّي، فو اللّه لكأنّك من طوارق [5] الليل. فقلت لها: وأنت واللّه لكأنّك من طوارق النهار. فقالت: ما أظرفك يا أسود! فغاظني قولها، فقلت لها: هل تدرين ما الظّرف؟ إنما الظّرف العقل. ثم قالت لي: انصرف حتّى أنظر في أمرك. فأرسلت إليها هذه الأبيات:

فإن أك حالكا فالمسك أحوى ... وما لسواد جلدي من دواء

ولي كرم عن الفحشاء ناء  ... كبعد الأرض من جوّ السّماء

ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلك ليس يعدم في النّساء

ودخل نصيبا على عبد الملك بن مروان، فقال له: أنشدني بعض ما رثيت به أخي؛ فأنشده قوله:

عرفت وجرّبت الأمور فما أرى ... كماض تلاه الغابر المتأخّر

ولكنّ أهل الفضل من أهل نعمتي ... يمرّون أسلافا أمامي وأغبر

فإن أبكه أعذر وإن أغلب الأسى ... بصبر فمثلي عند ما اشتدّ يصبر

فلمّا سمع عبد الملك قوله:

فإن أبكه أعذر وإن أغلب الأسى ... بصبر فمثلي عندما اشتدّ يصبر

قال له: ويلك! أنا كنت أحقّ بهذ الصفة في أخي منك! فهلّا وصفتني بها! وجعل يبكي.

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــ

الأغاني (1/ 277)

تعليق من أمالي ابن دريد (ص: 88)

 

نصيب بن رباح أبو محجن.? - 108 هـ / ? - 726 م

مولى عبد العزيز بن مروان، شاعر فحل، مقدم في النسيب والمدائح، كان عبداً أسوداً لراشد بن عبد العزى من كنانة، من سكان البادية، وأنشد أبياتاً بين يدي عبد العزيز بن مروان، فاشتراه وأعتقه. وكان يتغزل بأم بكر (زينب بنت صفوان) وهي كنانية، وفي بعض الروايات (زنجية). له شهرة ذائعة، وأخبار مع عبد العزيز بن مروان وسليمان بن عبد الملك والفرزدق وغيرهم. وكان يعد مع جرير وكثير عزة، وسئل عنه جرير، فقال: أشعر أهل جلدته، وتنسك في أواخر عمره، وكان له بنات، من لونه، امتنع عن تزويجهن للموالي ولم يتزوجهن العرب، فقيل له: ما حال بناتك؟ فقال: صببت عليهن من جلدي (بكسر الجيم) فكسدن علي! قال الثعالبي: وصرن مثلاً للبنت يضن بها أبوها فلا يرضى من يخطبها ولا يرغب فيها من يرضاه لها.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق