السبت، 28 سبتمبر 2024

قد يكون الغم هو الدواء سلطة المخم ربما كانت دواءً

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

قد يكون الغم هو الدواء

سلطة المخم ربما كانت دواءً

كتبت مرة وكنت مع زوجتي رحمها الله في الطريق إلى حلب ، فجلست إلى جانبنا في المقعد الموازي امرأة نحيلة الجسم تبعتها امرأة ربما زاد وزنها عن المائة ، وريثما تمتلئ الحافة الكبيرة بالركاب ، بدأت الاثنتين تتحدثان وبصوت مسموع عن سبب ذهابهما إلى حلب ، فشكت ذات الوزن الثقيل من حالها وقالت إني راغبة في تخفيف وزني فالأطباء أكدوا أن ذلك سبب في أوجاعي ، فأجابتها الثانية : كنوا ما عندك ولا بتعرفي سلطة المخم هو دواءك . سألت الثانية أشو يعني سلطة المخم ؟ ! فقالت : يا خيتي الهم والغم ؟

حدث الحسن بن إدريس الخولاني قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أفلح سمين قط، إلا أن يكون محمد بن الحسن. فقيل له: فلم؟ قال: لأنه لا يعدو العاقل من إحدى حالتين: إمّا أن يهتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه. والشحم مع الهم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم لِعَقْد الشحم. ثم قال الشافعي: كان ملك في الزمان الأول، وكان مثقلا كثير اللحم لا ينتفع بنفسه، فجمع المُتطبّبين وقال: احتالوا لي حيلة يخفّ عني لحمي هذا قليلا. فما قدروا له على صفة. قال: فُنُعِتَ له رجل عاقل أديب متطبّب ، فبعث إليه فأُشْخِصَ فقال: تعالجني ولك الغنى؟ قال: أصلح الله الأمير، أنا رجل مُتطبِّب ومنجّم، دعني أنظر الليلة في طالعك أي دواء يوافق طالعك فأسقيك. قال: فغدا عليه. فقال: أيها الملك، الأمانَ. قال: لك الأمان. قال: رأيت طالعك يدل على أن عمرك شهر، فإن أحببت حتى أعالجك فإن أردتَ بيان ذلك فاحبسني عندك، فإن كان لقولي حقيقة فحلّ عني، وإلا فاستقص عليَّ. قال: فحبسه. ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتمًّا، ما يرفع رأسه يعدّ أيامه، كلما انسلخ يوم ازداد غما حتى هزل وجفّ لحمه، ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوماً، فبعث إليه فأخرجه فقال: ما ترى؟ قال: أعزّ الله الملك، أنا أهون على الله من أن أعلم الغيب، والله ما أعرف عمري، فكيف أعرف عمرك؟ إنه لم يكن عندي دواء إلا الغم فلم أقدر أن أَجْلبَ إليك الغم إلا بهذه العلّة فأذابت شحم الكلى. قال: فأجازه وأحسن إليه.

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ــــــــــــــ

مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 120)

 


الجمعة، 27 سبتمبر 2024

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل السماء والسموات: السماء في اللغة الدكتور فاضل السامرائي

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل 

السماء والسموات: السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان

يقول الدكتور فاضل جزاء الله خيراً : السماء والسموات: السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان

1- واحدة السموات السبع، كقوله تعالى: "ولقد زَيّنا السّماءَ الدنيا بِمَصابيح " الملك، وقوله: "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ" ـ الصافات:6

2- كل ما علا وارتفع عن الأرض

- فسقف البيت في اللغة يسمى سماء، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) الحج:15، يقول المفسرون: (أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف

- وقد تكون بمعنى السحاب: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) ّالرعد:17

- وقد تكون بمعنى المطر: (يرسل السماء عليكم مدرارا) نوح.

- وقد تكون بمعنى الفضاء والجو: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ النحل:79

- وقوله عن السحاب: (فيبسطه في السماء كيف يشاء) .

وذكر هذا الارتفاع العالي: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125)

فالسماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف. مثال آخر: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) ـ الحجر:15 فالإنسان إذا خرج من جو الأرض انتقل إلى ظلام فلا يبصر، وبهذا تكون السماوات جزءا من السماء، لأن السماء كل ما علا وارتفع مما عدا الأرض، والسماوات جزء منها بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الفضاء والسقف والمطر والسحاب، فإن (السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرها قال تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6) وقال: (ربي يعلم القول في السماء والأرض) لأن القول أوسع من السر، فهو قد يكون سرا.(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ المجادلة: 8، وقد يكون جهرا فهو أوسع من السر والسر جزء منه فلما وسع قال (القول) وسع وقال (في السماء) . ولما ضيق وقال (السر) قال (السماوات) فبهذا المعنى الشامل تكون (السماء) أوسع بكثير من (السماوات) ، ولذلك لما قال (السماوات) قال (عرضها السماوات) ، ولكن عندما اتسعت اتساعا هائلا جاء بأداة التشبيه (عرضها كعرض السماء) لأن المشبه به عادة أبلغ من المشبه، فهي لا تبلغ هذا المبلغ الواسع الذي يشمل كل شيء .

وللموضوع تتمة بإذن الله

ـــــــــــ

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - محاضرات (ص: 824) - الدكتور فاضل صالح السامرائي  


 

الخميس، 26 سبتمبر 2024

كلمة ومعنى الأرمغان

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كلمة ومعنى

الأرمغان

اليَرْمَغَان: كلمة فارسية مُعرَّبة، وأصلها في الفارسية: أرمغان، ومعناها في الفارسية: هدية. والكلمة في العربية تعنى: نسيج رفيع من الحرير، وربما سُمِّى به لأنه مما يُهدى، والمشهور على ألسنة العوام آرمغان . وتطلق على الذهب والفضة والهدية، ومنه ارمغان بالتركية والكردية والأرمغان  ويرمغان في التركية :: العطية، الهدية تقدم إلى عظيم عاد من سفر، وما يأتي به المسافر من الهدايا، النسيج الحريري الفاخر، القطعة من النقود التحفة. وعربوا الأرمغان بـ "الأعراضة". وفي الكردية: أرمغان. وجمعوها على: أرمغانات. ومن تملقاتهم يقولون :  لأهل العائد من سفر: المسافر إلكن والأرمغان إلنا. ومن اعتقادهم: اللي بتشردق وهوه عم بياكل يكون بدو يجيه أرمغان لكن من واحد بخيل.

ومن لوحاتهم: خدي يا مرا هالأرمغانات واربطي لكل واحد أرمغانو ، لأبوكي ولأمك ولأخوتك وخواتك من ها اللي اشتريتو من حلب : صابون مطيب وكياس تفريك وعرموش الفستق وكنافة بصمة، وقيمي حصة صاحبي جواد آغا على طرف. قالت لو بنتو ومينو هادا جواد آغا ؟ - هادا الكفرتخاريمي  إللي زارنا من سنتين: اللابس ملتان مخلوق وتحتو بند الساعة تحت دكة لباسو النازل فوق صرمايتو الطويلة من ورا.

ـــــــــــــــ

محيط المحيط - بطرس البستاني

موسوعة حلب المقارنة - خير الدين الأسدي

المعجم العربي لأسماء الملابس

 

الأربعاء، 25 سبتمبر 2024

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

فوت الفرصة يورث الحسرة وكم من فرص فاتتنا لو اغتنمناها ، لما وصلنا لما نحن فيه ومن حكايا التاريخ لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

فوت الفرصة يورث الحسرة

وكم من فرص فاتتنا لو اغتنمناها ، لما وصلنا لما نحن فيه

ومن حكايا التاريخ لنا مثل

الفرصة الظرف المناسب للقيام بعمل ما والفُرص لا تنتظر أحدًا ، وقالوا : بادِرِ الفُرْصة قبل أَن تكون غُصّة ، أما الحسرة: هي بلوغ النهاية في التلهف حتى يبقى القلب حسيرًا لا موضع فيه لزيادة التلهف . وأشد الحسرة يوم لقاء الله جلّ جلاله : أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾ سورة الزمر . تزعم المجوس أنّ أهرمن، وهو إبليس، لمّا جلس في مجلسه في أوّل الدهر ليقسّم الشّرّ والسّموم- فيكون ذلك عدّة على مناهضة صاحب الخير إذا انقضى الأجل بينهما، ولأنّ من طباعه أيضا فعل الشر على كلّ حال- كانت العظاءة – سحلية صغيرة تشبه أبو بريص - آخر من حضر، فحضرت وقد قسم السمّ كلّه، فتداخلها الحسرة والأسف. فتراها إذا اشتدّت وقفت وقفة تذكّر لما فاتها من نصيبها من السّم، ولتفريطها في الإبطاء حتى صارت لا تسكن إلّا في الخرابات والحشوش ؛ لأنها حين لم يكن فيها من السّم شيء لم تطلب مواضع الناس كالوزغة التي تسكن معهم البيوت، وتكرع في آنيتهم الماء ولذلك نفرت طباع النّاس من الوزغة، فقتلوها تحت كلّ حجر، وسلمت منهم العظاءة تسليما منهم. والعظاءة لم يكن ليعتريها من الأسف على فوت السمّ

حدث الفضل بن باهماد السيرافيّ قال لي رجل من بعض بياسرة بلاد الهند، والبيسر: هو المولود على ملّة الإسلام في بلاد الهند، أنّه كان في بلد من بلاد الهند، وكان فيه الملك حسن السيرة، وكان لا يأخذ مواجهة، ولا يعطي مواجهة، وإنّما يقلب بيده إلى وراء ظهره، فيأخذ ويعطي بها، توفي، فوثب رجل على ملكه، فاحتوى عليه، وهرب ابن كان له، يصلح للملك، خوفا على نفسه من المتغلّب. فحكى عن نفسه، أنّه مشى ثلاثة أيام، قال: ولم أطعم طعاما، ولم يكن معي فضّة ولا ذهب، فأبتاع به مأكولا، قال: فجلست على قارعة الطريق، وإذا برجل هنديّ، مقبل، على كتفه كارة، فحطّها، وجلس حذائي. فقلت: أين تريد؟

فقال: الجدام الفلاني. ومعنى الجدام: الرستاق. فقلت له: هذا الجدام الفلاني أريد اصطحابك . قال: نعم. فطمعت أن يعرض عليّ شيئا من مأكوله، قال: فحلّ الكارة، وأكل، وأنا أراه، ولم يعرض عليّ، وأنفت أن أبتدئه بالسؤال. وقام يمشي ، فمشيت معه، وتبعته، طمعا في أن تحمله الإنسانية والمؤانسة على العرض ، فعمل بالليل، كما عمل معي بالنهار. قال: وأصبحنا من غد، ومشينا، فعاملني بمثل ذلك، وظلّ على هذا سبعة أيام، لم أذق شيئا. فأصبحت في اليوم الثامن، ضعيفا، لا قدرة لي على الحركة، فرأيت جداما في حاشية الطريق، وقوما يبنون، وقيّما عليهم، يأمرهم. قال: ففارقت الرجل، وعدلت إلى الوكيل، فقلت: استعملني بأجرة تعطنيها عشيا، مثل هؤلاء. فقال: نعم، ناولهم الطين. قال: فكنت آخذ الطين، فلعادة الملك، أقلب يدي إلى ظهري ، وأعطيهم الطين، فكما أذكر أنّ ذلك خطأ عليّ يسبّب سفك دمي، أبادر بتلافي ذلك، فأردّ يدي بسرعة، قبل أن يفطنوا بي. قال: فلمحتني امرأة قائمة، فأخبرت سيدها بخبري، وقالت: لا بدّ أن يكون هذا من أولاد الملوك. قال: فتقدّم إليها، بحبسي عن المضيّ مع الصنّاع، فاحتبستني، وانصرف الصنّاع. فجاءني بالدهن والعروق، لأغتسل بهما، وهذه مقدمة إكرامهم، وسنّة لإعظامهم، فتغسّلت بذلك. فجاءوني بالأرز والسمك، فطعمت. فعرضت المرأة نفسها عليّ للتزويج، فعقدت عليها، ودخلت بها من ليلتي، وأقمت معها أربع سنين، أربّ  حالها، وكانت لها نعمة. فأنا يوما، جالس على باب دارها، فإذا أنا برجل من بلدي، فاستدعيته، فجاءني. فقلت له: من أين أنت؟ قال: أنا من بلد كذا وكذا، وذكر بلدي.

فقلت: ما تصنع هاهنا؟ فقال: كان فينا ملك حسن السيرة، فمات، ووثب على ملكه رجل ليس من أهل بيت الملك، وكان للملك الأوّل ابن يصلح للملك، فخاف على نفسه، فهرب، وإنّ المتغلّب أساء عشرة رعيته، فوثبوا عليه، فقتلوه، وانبثثنا في البلدان نطلب ابن ذلك المتوفّى، لنجلسه مكان أبيه، فما نعرف له خبرا. قال: فقلت له: تعرفني؟ قال: لا. فقلت: أنا طلبتكم. قال: وأعطيته العلامات، فعلم صحّة ما قلت له، فكفّر لي. قلت: اكتم أمرنا، إلى أن ندخل إلى الناحية. فقال: أفعل. قال: فدخلت إلى الامرأة، وأخبرتها الخبر، وحدّثتها بالصورة، وبأمري كلّه. وأعطيتها الصدرة، وقلت: فيها كذا، ومن حالها كذا، وأنا ماض مع الرجل، فإن كان ما ذكره صحيحا، فالعلامة أن يجيئك رسولي، ويذكر لك الصدرة، فانهضي معه، وإن كانت مكيدة، كانت الصدرة لك. قال: ومضى مع الرجل، وكان الأمر صحيحا، فلما قرب من البلد، استقبلوه بالتكفير، وأجلسوه في الملك، وأنفذ إلى الزوجة من حملها، وجاءت إليه. فحين اجتمع شمله، واستقام ملكه، أمر فبنيت له دار عظيمة، وأمر أن لا يجتاز في عمله مجتاز، إلّا حمل إليها، ويضاف ثلاثة أيّام، ويزوّد لثلاثة أيّام أخر. وكان يفعل ذلك، وهو يراعي الرجل الذي استصحبه في سفره، ويقدّر أن يقع في يده. وأراد أن يبني الدار شكرا لله تعالى، على الخلاص ممّا كان فيه، وأن يكفي الناس المؤونة التي كانت لحقته. فلما كان بعد حول، استعرض الناس، قال: وقد كان يستعرضهم في كل شهر، فلا يرى الرجل، فيصرفهم. فلما كان ذلك اليوم، رأى الرجل بينهم، فحين وقعت عليه عينه، أعطاه ورقة تنبول ، وهذه علامة غاية الإكرام، ونهاية رتبة الإعظام، إذا فعله الملك بإنسان من رعيته . قال: فحين فعل الملك بالرجل ذلك، كفّر له، وقبّل الأرض، فأمره الملك بالنهوض،ونظر إليه، فإذا هو ليس يعرف الملك، فأمر بتغيير حاله، وإحسان ضيافته، ففعل، ثم استدعاه. فقال له: أتعرفني؟  قال: وكيف لا أعرف الملك، وهو من حاله، وعظم شأنه، وعلوّ سلطانه. قال: لم أرد هذا، أتعرفني، من قبل هذه الحال؟ قال: لا. قال: فأذكره الملك الحديث والقصّة، في منعه الطعام سبعة أيام في السفر. قال: فبهت الرجل. وقال: ردّوه إلى الدار، وونّسوه ، وزاد في إكرامه، وحضر الطعام، فأطعم الرجل، فلما أراد النوم، قال الملك، لامرأته: امضي فغمّزيه ، حتى ينام. قال: فجاءت المرأة، ولم تزل تغمّزه، إلى أن نام، فجاءت إلى الملك، وقالت: قد نام. فقال: ليس هذا نوما، حرّكوه، فحرّكوه فإذا هو ميت. قال: فقالت له المرأة: أيش هذا؟ قال: فساق إليها حديثه معه، وقال: وقع في يدي، فتناهيت في إكرامه، والهند لهم كبود عظام، وتوهّمهم هو المعروف المتعالم عنهم، فدخلت عليه حسرة عظيمة، إذ لم يحسن إليّ ذلك الوقت، فقتلته الحسرة.

والحق إن الحسرة تكاد تقتل الكثير لمواقف لو أحدثوها لما وصل بنا الأمر لما نحن فيه

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ـــــــــــ

البيان والتبيين (3/ 308)    

الحيوان (6/ 564)

الرسائل السياسية (ص: 77)

مفيد العلوم ومبيد الهموم (ص: 376)

نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (8/ 211)




الاثنين، 23 سبتمبر 2024

صور من تعذيب المسلمين في محاكم التفتيش الأسبانية

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

صور من تعذيب المسلمين في محاكم التفتيش الأسبانية

كانت شروط تسليم ( غرناطة ) على يد « أبي عبد الله » سبعة وستين (٦٧) شرطاً ؛ أمنوا فيها على أنفسهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم وأملاكهم وحريتهم ، وإقامة شعائرهم ، واحترام مساجدهم ومعابدهم وفك أسراهم ، وإجازة من يريد الهجرة منهم إلى بر الفدوة المغرب ، وإعفائهم من الضرائب والمغارم سنين معلومة .لم يتفذ منها شرطاً واحداً

ويقدر بعض المؤرخين عدد مَنْ عُذِّب من المسلمين بعد سقوط غرناطة ) بثلاثة ملايين نسمة ، قتل من قتل وحرق مَنْ حُرق

واضطر من بقى من المسلمين في الأندلس ممن لم يقدروا أن يهاجروا إلى بلاد إسلامية تحميهم أن ينتصروا ، وأن يتدجنُوا

وممن برز واشتهر في حماسه للانتقام من المسلمين الكاردينال كمنيس والدون : ألفونسو ماتريك ، وأصبح كبير المفتشين ، وكان شديد التحمس لمقاومة ما كان يُسمى بـ ( الكفر ) فى تلك العصور ، ومعنى ذلك : الاعتقاد بغير ( الكثلكة ) ، أو المروق عنها وكان يأخذ خصومه بأقل شبهة ، سواء كان من متنصرة المسلمين ، أو ممن تنصر من اليهود ، أو حتى كان من المفكرين الأحرار ، أو غير ذلك ؛ ولم يكن لأحد من هؤلاء جزاء إلا الإعدام ، تعذيباً . فمن مدح دين محمد صلى الله عليه وسلم يُعدُّ كأنّه قد ارتد إلى الاسلام ؛ أو قال : إن ( يسوع المسيح ) ليس بإله ، أو قال بأن صفات ( مريم ) العذراء ، أو أن اسمها لا تليق بأمه وعلى هذا يجب على كل مسيحي أن يُبلغ ما يعلم من تلك الأمور ، كما أنه يجب عليه أيضاً أن يبلغ عما يكون قد سمعه أو رآه من متنصرة المسلمين إذا هم زاولوا بعض العادات والتقاليد الإسلامية المرعية، كأن يأكل اللحم يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك يباح له ؛ أو إذا احتفل ، بيوم الجمعة ، بأن يرتدى ثياباً أنظف من ثيابه العادية ، أو أن يولى وجهه شطر الشرق قائلاً : بسم الله ... ، أو إذا أوثق أرجل الحيوان قبل ذبحه ، أو رفض أكل لحم مالم يذبح ، أو ما ذبحته امرأة ، أو ختن أولاده ، أو سماهم بأسماء عربية ، أو أعرب عن أمنيته من أتباع تلك السنة ، أو إذا قال : بأنه يجب ألا يعتقد إنسان إلا بالله وحده ، وأن ( محمداً ) عبده ورسوله ، أو إذا أقسم بما في القرآن ، أو إذا صام شهر رمضان وتصدق خلاله ، وكان لا يأكل ولا يشرب إلا عند الغروب ، أو إذا تسحر ليلاً أو قام للوضوء ، أو إذا صلّى وولى وجهه شطر المشرق ، وحولت مساجد المسلمين إلى كنائس ، أو إذا ركع أو سجد وتلا شيئاً من القرآن ، أو إذا تزوج وفقاً لما توجبه الشريعة الإسلامية ، أو إذا أنشد أغاني عربية ، أو أقام حفلات للرقص أو للموسيقى العربية ، أو إذا اتبع قواعد ( محمد ) الخمس يعني أركان الاسلام  ، أو إذا لمس بيده على رؤوس أولاده أو غيرهم . والسجود في الطرقات في حال مر بهم أحد أحبار النصارى .

ويتم تتبع المتنصرين واضطهادهم ، فمن نطق بالعربية ، أو أستحم ، أَوْ حَجَبَ النساء ، أو لبس الأزياء الإسلامية ، فهو كَمَنْ أقام الدليل على ردَّته وكفره ، والويل له من التعذيب . ومن فتاوي الكنيسة إن المتنصرة هم أعداء الملة والدين والوطن ، وأن لهم اتصالاً بأعداء اسبانيا ، وأن لا سبيل إلى جعلهم يعتنقون الدين المسيحي ( الكاثوليكي ) ولهذا وجب طردهم إلى بلاد البربر في أفريقية ، وأنه يجب أن يغادر المتنصرون إسبانيا رجالاً ونساءً وأطفالاً في ظرف ثلاثة أيام ( !!!؟ ) من تاريخ يوم نشر القرار فى المدن والقرى .

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ــــــــــــــــ

ديوان التحقيق و المحاكمات الكبرى محمد عبد الله عنان

محاكم التفتيش نشأتها ونشاطها - د. إسحق عبيد

مذابح وجرائم محاكم التفتيش في الأندلس - محمد علي قطب

الأربعاء، 18 سبتمبر 2024

آمنه بنت وهب أم مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

وِجْهَةُ نَظَرٍ مَعَرِّية

آمنه بنت وهب أم مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :

كانت أفضل امرأة في قريش نسباً وموطناً . ويؤخذ من اللهجة التي كانت تتكلم بها السيدة آمنة أن أصلها من المدينة وأن إخوتها كانوا يقطنون المدينة . وقال ابن قتيبة : ولا يعلم أنه كان لآمنة أخ فيكون خال النبي ﷺ ولكن بنو زهرة يقولون نحن أخوال النبي الله لأن آمنة منهم . وكانت السيدة آمنة وفية لزوجها عبد الله والد الرسول له بعد وفاته . فكانت تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره . فلما أتى على رسول الله ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول الله ﷺ علت فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها .

ـــــــــــــ

سيرة ابن اسحاق (ص: 42)

أعلام النساء عمر رضا كحالة



الأحد، 15 سبتمبر 2024

حُسْنُ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

حُسْنُ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الجلال السيوطي رحمه الله الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَبَعْدُ، فَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، مَا حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ؟ وَهَلْ هُوَ مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ؟ وَهَلْ يُثَابُ فَاعِلُهُ أَوْ لَا؟

الْجَوَابُ: عِنْدِي أَنَّ أَصْلَ عَمَلِ الْمَوْلِدِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَرِوَايَةُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي مَبْدَأِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَقَعَ فِي مَوْلِدِهِ مِنَ الْآيَاتِ، ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ - هُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ فِعْلَ ذَلِكَ صَاحِبُ إِرْبِلَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ أَبُو سَعِيدٍ كُوكْبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ بَكْتَكِينَ، أَحَدُ الْمُلُوكِ الْأَمْجَادِ وَالْكُبَرَاءِ الْأَجْوَادِ، وَكَانَ لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ الَّذِي عَمَّرَ الْجَامِعَ الْمُظَفَّرِيَّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، قَالَ ابن كثير فِي تَارِيخِهِ: كَانَ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ الشَّرِيفَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا عَالِمًا عَادِلًا، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ لَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ (التَّنْوِيرُ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ) ، فَأَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فِي الْمُلْكِ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِلْفِرِنْجِ بِمَدِينَةِ عَكَّا سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، مَحْمُودُ السِّيرَةِ وَالسَّرِيرَةِ. قَالَ سبط ابن الجوزي فِي مِرْآةِ الزَّمَانِ: حَكَى بَعْضُ مَنْ حَضَرَ سِمَاطَ المظفر فِي بَعْضِ الْمَوَالِدِ أَنَّهُ عَدَّ فِي ذَلِكَ السِّمَاطِ خَمْسَةَ آلَافِ رَأْسِ غَنَمٍ شَوِيٍّ وَعَشَرَةَ آلَافِ دَجَاجَةٍ وَمِائَةَ فَرَسٍ وَمِائَةَ أَلْفِ زُبْدِيَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ صَحْنِ حَلْوَى، قَالَ: وَكَانَ يَنْحَصِرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، فَيَخْلَعُ عَلَيْهِمْ وَيُطْلِقُ لَهُمْ، وَيَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ، وَكَانَ يَصْرِفُ عَلَى الْمَوْلِدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَتْ لَهُ دَارُ ضِيَافَةٍ لِلْوَافِدِينَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، فَكَانَ يَصْرِفُ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَسْتَفِكُّ مِنَ الْفِرِنْجِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُسَارَى بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَصْرِفُ عَلَى الْحَرَمَيْنِ وَالْمِيَاهِ بِدَرْبِ الْحِجَازِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، هَذَا كُلُّهُ سِوَى صَدَقَاتِ السِّرِّ، وَحَكَتْ زَوْجَتُهُ ربيعة خاتون بنت أيوب أُخْتُ الْمَلِكِ الناصر صلاح الدين أَنَّ قَمِيصَهُ كَانَ مِنْ كِرْبَاسٍ غَلِيظٍ لَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، قَالَتْ: فَعَاتَبْتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لُبْسِي ثَوْبًا بِخَمْسَةٍ وَأَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبًا مُثَمَّنًا وَأَدَعَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ. وَقَالَ ابن خلكان فِي تَرْجَمَةِ الْحَافِظِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ: كَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَمَشَاهِيرِ الْفُضَلَاءِ، قَدِمَ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَدَخَلَ الشَّامَ وَالْعِرَاقِ وَاجْتَازَ بِإِرْبِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ، فَوَجَدَ مَلِكَهَا الْمُعَظَّمَ مظفر الدين بن زين الدين يَعْتَنِي بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، فَعَمِلَ لَهُ كِتَابَ التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَأَجَازَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْنَاهُ عَلَى السُّلْطَانِ فِي سِتَّةِ مَجَالِسَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ الْعَصْرِ أبو الفضل ابن حجر عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ، فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: أَصْلُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَحَاسِنَ وَضِدِّهَا، فَمَنْ تَحَرَّى فِي عَمَلِهَا الْمَحَاسِنَ وَتَجَنَّبَ ضِدَّهَا كَانَ بِدْعَةً حَسَنَةً وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي تَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: هُوَ يَوْمٌ أَغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ فرعون وَنَجَّى مُوسَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى» ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فِعْلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إِسْدَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ، وَيُعَادُ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ، وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ بِبُرُوزِ هَذَا النَّبِيِّ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّى الْيَوْمُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُطَابِقَ قِصَّةَ مُوسَى فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، بَلْ تَوَسَّعَ قَوْمٌ فَنَقَلُوهُ إِلَى يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ. فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ عَمَلِهِ. وَأَمَّا مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ شَيْءٍ مِنَ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْقُلُوبِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ، وَأَمَّا مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ السَّمَاعِ وَاللَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحًا بِحَيْثُ يَقْتَضِي السُّرُورَ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ بِهِ، وَمَا كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَيُمْنَعُ، وَكَذَا مَا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى.

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ـــــــــــــــــ

وفيات الأعيان  - ابن خلكان(3/ 449)

السراج المنير البداية والنهاية - ابن كثير (13/ 159)

الحاوي للفتاوي – الجلال السيوطي(1/ 221)



الخميس، 12 سبتمبر 2024

شَذَرَات مِنْ حَيَاةِ الِإمَامُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه نزل الإمام الشافعي رضي الله عنه بالإمام مالك

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

شَذَرَات مِنْ حَيَاةِ الِإمَامُ  مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه

نزل الإمام الشافعي رضي الله عنه بالإمام مالك رضي الله عنه، فصب بنفسه الماء على يديه وقال له: لا يرعك ما رأيت مني، فخدمة الضيف على المضيف فرض:

أعرض طعامك وابذله لمن أكلا ... واحلف على من أبى واشكر لمن فعلا

ولا تكن سابري العرض محتشما ... من القليل فلست الدهر محتفلا

المستطرف في كل فن مستطرف - الأبشيهي(ص: 193)



الأربعاء، 11 سبتمبر 2024

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2024

لا بد أنك ستدعى بمن استخذته إمام تأتم وقائداً تتبع ولك أن تختار منذ اللحظة

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

لا بد أنك ستدعى بمن استخذته إمام تأتم وقائداً تتبع

ولك أن تختار منذ اللحظة

الْإِمَامُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ قَوْمٌ كَانُوا عَلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ فَالنَّبِيُّ إِمَامُ أُمَّتِهِ، وَالْخَلِيفَةُ إِمَامُ رَعِيَّتِهِ، وَالْقُرْآنُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ

سيُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا أَمَةَ إِبْرَاهِيمَ يَا أَمَةَ مُوسَى يَا أَمَةَ عِيسَى يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فَيَقُومُ أَهْلُ الْحَقِّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْأَنْبِيَاءَ فَيَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ثُمَّ يُنَادَى يَا أَتْبَاعَ فِرْعَوْنَ يَا أَتْبَاعَ نَمْرُودَ يَا أَتْبَاعَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله:" يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ" فَقَالَ:" كُلٌّ يُدْعَى بِإِمَامِ زَمَانِهِمْ وَكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ فَيَقُولُ هَاتُوا مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيمَ هَاتُوا مُتَّبِعِي مُوسَى هَاتُوا مُتَّبِعِي عِيسَى هَاتُوا مُتَّبِعِي مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَالسَّلَامُ- فَيَقُومُ أَهْلُ الْحَقِّ فَيَأْخُذُونَ كِتَابَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَيَقُولُ: هَاتُوا مُتَّبِعِي الشَّيْطَانِ هَاتُوا مُتَّبِعِي رُؤَسَاءِ الضَّلَالَةِ إِمَامَ هُدًى وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ .

قال الله تعالى : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿٧١﴾ سورة الإسراء . هذا لمتبين . أما من اتبع هواه فقد قال الله تعالى : وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴿٧٢﴾ سورة الإسراء .

واليوم فلان في النار أما علان ففي الجنة ، توزيع والله وحده الأعلم

الأفضل أن لا نكون إمعة غنم تتبع الكبش حيث سار . فالقادم آت لا بد منه

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ـــــــــــــــــــ

تفسير الطبري (17/ 502)

تفسير الرازي (21/ 376)

تفسير القرطبي (10/ 297)

 


الأحد، 8 سبتمبر 2024

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كلمة ومعنى من بلدات سوريا

اعزاز - ادلب

أعزاز وفي الكتب العربية تسميها "عزاز": بليدة هي اليوم قضاء تابع لحلب، كانت في العهد الآشوري من أهم مدن منطقة PATIN، يرويها نهر APRIE المسمى بعدئذ بنهر عفرين، وكان اسم اعزاز في العهد الآشوري "هازاز" وسماها الصليبيون: HARZART. وكلمة أعزاز آرامية: عزز، قوى كما يرى الأب أرملة في المشرق س ۳۸ ص ۱۸۳. والنسبة إليه: أعزازي: بهمزة الوصل وبإمالة الألف. كان فيها حصن دمره زلزال . واشتهرت بجبنها الماعزي.

ــــــــــــــ

إدلب: بليدة غربي حلب هي الآن محافظة منذ س ١٩٦٠، واسمها من الآرامية أسوة بكل مكان عرف قبل الفتح الإسلامي مركب من "أر": هواء، و "د": أداة بين المضاف والمضاف إليه: شأن الأرامية، بعدها "لب": القلب، أي: هواء القلب، أي ينعش اللب، وحقيقتها كذلك، ويجمعون الإدلبي: أدالية.

اشتهرت إدلب بما يلي: حصرها. خرفها. وشعيبياتها : [ويطلقون عليها : الشلكات الأدالب، يريدون الشعيبيات، وأصل اسمها الشباعيات لأنها بحجمها القديم الكبير وسمنها وقشطتها كانت تشبع الشخص).والدربكات والخوابي. وشجر التين الزيتون وكانت تعرف بادلب الصابون أول نشأتها

ـــــــــــ

محافظة حلب : ص ٢٤٢ .

معاجم اللغة

محيط المحيط - بطرس البستاني

موسوعة حلب المقارنة - خير الدين الأسدي



السبت، 7 سبتمبر 2024

قصص لا تصح : قصة درع الإمام علي رضي الله عنه واليهودي

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

قصص لا تصح : قصة درع الإمام علي رضي الله عنه واليهودي

هذه القصة بأكثر من سند أحدهما : أنه لما توجه علي إلى حرب معاوية افتقد درعاً له ، فلما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق ، فقال له علي : يا يهودي ، هذه الدرع درعي ، لم أبع ولم أهب ، فقال اليهودي : درعي و في يدي ، فقال علي : نصير إلى القاضي ، فتقدما إلى شريح ، فجلس علي إلى جانب شريح ، و جلس اليهودي بين يديه فقال علي : لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : صغروا بهم كما صغر الله بهم . فقال شريح : قل يا أمير المؤمنين ، فقال : نعم ، إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي ، و لم أبع و لم أهب ، فقال شريح : ما تقول يا يهودي ؟ فقال : درعي و في يدي فقال شريح : يا أمير المؤمنين بينه ، قال : نعم ، قنبر والحسن يشهدان أن الدرع درعي ، قال : شهادة الابن لا تجوز للأب ، فقال : رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . فقال اليهودي : أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ، وقاضيه قضى عليه ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، و أن الدرع درعك ، كنت راكباً على جملك الأورق ، و أنت متوجه إلى صفين ، فوقعت منك ليلاً فأخذتها ، و خرج يقاتل مع علي الشراة بالنهروان فقتل .   

قال أبو عبد الله الذهبي جزاه الله خيراً ، هذه قصة قرأتها في سبل السلام للصنعاني ، في كتاب القضاء باب تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس ، وأعجبت بها ، وكنت آنذاك لا أميز بين الصحيح والموضوع ، و قد ارتسمت في ذهني لما اشتملت عليه من العدل والإنصاف من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ؛ و قاضيه شريح بن الحارث الكندي رحمه الله ، و بعد زمن طويل طالعت في كتاب الأباطيل للجوزقاني ، فإذا هو يذكر القصة في الأباطيل ، ولما رأيت الناس معجبين بهذه القصة كما أعجبت بها ، فذاك يلقيها في محاضرته ، و آخر ينشرها في مجلته ، و ثالث يذكرها في كتابه – صور من حياة التابعين – والقصة لا تصح ، رأيت أن أذكر ما قال أهل العلم في هذه القصة .

روى أبو نعيم – رحمه الله – في الحلية ( 4 / 139 ) ، وذكر القصة الذهبي في الميزان (1/585) في ترجمة أبي سُمير حكيم بن خِذام . و ذكر الحافظ الذهبي أن أبا حاتم قال : إنه متروك الحديث ، و قال البخاري منكر الحديث يرى القدر .. فعلم بذلك أن القصة ضعيفة جداً من طريق سمير هذا . والجوزقاني رحمه الله ذكرها في الأباطيل ( 2 / 197 ) و قال : ( ص 198 ) : هذا حديث باطل تفرد به أبو سمير ، و هو منكر الحديث إلى آخر ما ذكره . و أورد هذه القصة أيضاً محمد بن خلف الملقب بوكيع في كتابه ( أخبار القضاة ) (2/194) بسند آخر مظلم .و ذكرها ابن الجوزي في العلل المتناهية ( 2 / 388 ) من هذا الوجه وقال : لا يصح . والسند الثاني سند مظلم .

 

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل – من سورة المائدة . وللموضوع تتمة بإذن الله تعالى سأل سائل عن قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} .

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل – من سورة المائدة . وللموضوع تتمة بإذن الله تعالى

سأل سائل عن قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} .

4- وقيل: إن المقام مقام تَبرؤٍ مما نُسِبَ إليه، وليس مقام طلبِ عفوٍ ومغفرة فلا يصح في هذا المقام الصفح والمغفرة.

جاء في (البرهان) : "وقيل لأنه مقام تَبرٍّ، فلم يذكر الصفةَ المقتضيةَ استمطارَ العفوِ لهم، وذكر صفة العدل في ذلك، بأنه العزيز الغالب، وقوله: (الحكيم) الذي يضع الأشياء في مواضعها فلا يعترض عليه، إن عفا عمن يستحق العقوبة".

5- وقيل: إنه لا يجوز المغفرة والرحمة، أو التعريض بهما لهؤلاء لأن هؤلاء مقطوع لهم بالعذاب، وعدم المغفرة، لأنهم مشركون قال: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] . وكما قال الله: إنه لا يغفر للمشركين، قال: إنه لا يصح سؤال المغفرة للمشركين لا من نبيٍّ، ولا من غيره، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى} [التوبة: 113] . فلا يجوز التعريض بالمغفرة، بل الذي يصح هو تفويض الأمر إليه، وتركه إلى حكمته سبحانه، بل إنَّ ما دان به هؤلاء أكبر من الشرك وأعظم، فإن الشرك أن تجعل لله نداً، وكان المشركون في الجاهلية يجعلون مع الله آلهةً أخرى يعبدونهم، ليقربوهم إليه زلفى. وأما هؤلاء فقد عبدوا المسيح وأمه من دون الله، فإنهم جعلوه أقل من الشريك، فهم أوْلى بعدم المغفرة ورجائها لهم. 6- ولا يَحْسنُ طلبُ المغفرة لهم، أو التعريض بها من السيد المسيح من جانب آخر، ذلك أن الأمر يتعلق به هو، أعني بعيسى، عليه السلام، فإنه مسؤول مستنطق عما ادُّعيَ عليه أنه قاله وهو أنه طلب من الناس أن يعبدوه وأمه، وأن يتركوا عبادة الله. وقد ذكر السيد المسيح أن هذا افتراء عليه، فكيف يصح أدباً أن يطلب المغفرة أو يعرض بها لهؤلاء المفترين الذين أعلَوه وأمه على الله سبحانه؟ إنه لو كان الأمر يتعلق بغيره، لكان من السماجة الشفاعة لهم، لأن ما فعلوه أعظم من الشرك، فكيف والأمر يتعلق به هو؟ إن طلب المغفرة لهم يعني التغاضي أو التهوين من شناعة هذا الأمر ويوهِمُ الرضا به والارتياح له. ألا ترى أنه لو اتُّهمَ مسؤول الشرطة مثلاً بأنه أصدر أمراً للإطاحة بالملك، ليكون هو مكانه، ثم قبض على هذا المسؤول واستجوب، فنفى أن يكون له علمٌ بذلك، أكان يصح أن يَطلبَ من الملك العفو عن هؤلاء الذين خلعوا سلطانه، وأعلنوا العصيان عليه، وادعوا أن هذا بأمرِ مسؤول الشرطة نفسه؟

إنه الآن في مقام دفع التهمة عن نفسه، وإثبات براءته، فكيف يصح أن يطلب العفو عن هؤلاء الجناة المفترين؟ إنه الآن في موقفٍ يحتاجُ إلى الشفاعة لا أن يشفع هو. فتبين من هذا أن ختم الآية بما ختم من العزة والحكمة هو الأولى.

ونشير إلى جانب لطيف آخر في الآية وهو قوله: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ، فإنه لم يقل (إن تعذبهم فإنهم أحقاء بذلك) أو (فذلك عدل) ذلك أن كونهم عبادة، معناه أنه المستحقُّ للعبادةِ دون غيره، وأنه الإله الحق. فمستحق العبادة مَنْ كان الخَلْقُ عباده دون مَنْ ليس له عباد. فإنه لو قال: (فإنهم أحقاء بذلك) أو قال: (فذلك عدل) لم يعن ذلك أنهم عباده. فالناسُ ليسوا عباداً لمن يعدل، كما أنهم إذا كانوا أحقاء بالعذاب، فليس معناه أنهم عباد لمن عذّب. فالذي يعذّب شخصاً أو جماعة لا يعني أن المعذبين عباده. فاختيار لفظ العبودية أنسب شيء في هذا المقام. وفيه معنى آخر، وهو أنهم لما كانوا عباده، فليس هناك من معترض على ما يفعل بهم من تعذيب أو مغفرة، فالأمر كله إليه، ومتروك لمشيئته، ومناط بعزته وحكمته وحكمه، فإنه هو العزيز الحكيم. وكذلك فعل سيدنا عيسى، عليه السلام، فقد أناط الأمرَ بعزته وحكمته وحكمه وفَوَّضَهُ إليه.

وانظر من ناحية أخرى إلى الضمير (أنت) وتعريف {العزيز الحكيم} للدلالة على توكيد الحكم، وقصر العزة والحكمة عليه والكمال فيما وصف به، فإنه في الحقيقة لا عزيزَ، ولا حكيمَ ولا حاكم سواه. فإنه لم يقل: (فإنك عزيز حكيم) ذلك أن هذا التعبير لا يفيد قَصْرَ الصفتين عليه - سبحانه - ولا كمالهما فيه. فإنك إذا قلت لأحد: (إنك كريم سمح) فلا يفيد ذلك قصر الصفتين عليه؛ بل يفيد إثبات الوصفين له بخلاف ما إذا قلت (إنك أنت الكريم السمح) ، فإنَّ ذلك يفيد القصر أو الكمال فيما وصفت. فقوله: {فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} يفيد قصر هذين الوصفين عليه، وكمالهما فيه دون غيره بمعنى: إنه لا عزيزَ ولا حكيم على وجه الكمال والحقيقة سواك. وهذا التعبير أولى في هذا الموطن، لأنه في موطن نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها له، فهو المتفرد بذاته وصفاته لا يشاركه ولا يشابهه فيهما أحد.

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - (ص: 74)- الدكتور فاضل صالح السامرائي