صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي
فبصق في وجه
ومن السيرة العطرة وأخبار السلف نتعلم
قالت الخنفساء لأمها: ما مررت بأحد إلا بصق علي. قالت: يا
بنية، لحسنك تعوذين.
كذب وتدجيل ومكر وخداع ألقى بأركانه في هذا البلاء الذي نحن
فيه ، فمن كان اندثر وكأنه لم يكن ، افتقر من كان موثر
وتكدست الأموال تحت أيدي أناس تتعجب من أين جاءت ، وزد على
ذلك تباهِ فأبو فلان ، وكان من كرام الناس كبا وعلان يرفع رأسه بما صار عنده ، ولا
تقولي أن بضع سنين كافيه لجمع أموال ونقل أصحابها من قاع فقر لقمة غنى . لا أقول
ذلك حسداً لا قدر الله بل استغرابا وتعجبا وتساؤلا ، ترى أهؤلاء من كانوا سر
بلائنا ؟ أهؤلاء راغبون في كشف البلاء عنا ؟!
لا أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل .
ويحكى عن مملوك كان لبعض الفلاسفة أنه افتخر عليه بعض رؤساء
زمانه فقال له إن افتخرت علىَّ بفرسك فالحسن والفراهة للفرس لا لك. وإن افتخرت
بثيابك وآلاتك فالحسن لها دونك. وإن افتخرت بآبائك فالفضل كان فيهم دونك. فإذا
كانت الفضائل والمحاسن خارجة عنك وأنت منسلخ عنها وقد رددناها على أصحابها بل لم
تخرج عنهم فترد عليهم وأنت ممن يحقق ذلك إن شاء الله تعالى. وحكي عن بعض الفلاسفة
أنه دخل على بعض أهل اليسار والثروة وكان يحتشد في الزينة ويفتخر بكثرة آلاته وقد
حضرت الفيلسوف بصقة فتنخع لها والتفت في البيت يمينا وشمالا ثم بصق في وجه صاحب
البيت فلما عوتب على ذلك قال: (إني نظرت إلى البيت وجميع ما فيه فلم أجد هناك أقبح
منه فبصقت عليه) وهكذا يستحق من كان خاليا من فصائل نفسه وافتخر بالخارجات عنه.
أقول هؤلاء يحملون بإذن الله أوزاراً مع أوزارهم ، ولن يكون
مع رسول الله إلا الذين أخلصوا لله ، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا
المعنى فَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ،
وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}
[الشعراء: 214]، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا -
اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ
عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ
عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا
فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا».
ومما يؤلم ادعاء العلم من قبل صحاب الجهل ، روي أن فَتى كَانَ
يحضرُ مجلسَ أفلاطون ويحبُّه ويعظمه، ويُؤثر اسْتِمَاع كَلَامه، وَلا يقرأُ
عَلَيْه شَيْئا، وَلا يتَعَلَّم مِنْهُ كَمَا يتَعَلَّم غَيره، وَأَن هَذَا
الْفَتى قَالَ لأفلاطون يَوْمًا: قَدْ أحببتُ أَيهَا الحكيمُ أَن تحضرَ الْيَوْم
منزلي وتأكل من طَعَامي، وتكرمني بالْمُشَاربة والمنادمة، فَأَجَابَهُ، فَلَمَّا
صَار إِلَى منزله أكلا وأخذا فِي تنَاول - الشَّراب واستماع الملاهي، ثُمّ إِن
أفلاطون بَصق فِي وَجهه - يَعْنِي الْفَتى - فارتاع لذَلِك، وقَالَ: مَا هَذَا
أَيهَا الْحَكِيم؟ فَقَالَ: إنّه عُرِض لي هَذَا الَّذِي نفثته كَمَا يعرض لسَائِر
النّاس فيلقونه فِي أَهْون الْأَمَاكِن وأخّسِّها، ورأيتُ مَنْزِلك وفرشك وآنيتَك،
فَلم أر موضعا أخَسَّ من نَفسك، فنبذتُ هَذَا الْأَذَى فِيهِ، فَقَالَ: قَدْ
وَعَظْتَ أَيهَا الحكيمُ فأبلغْتَ، ونصحتَ فأحسنتَ، وَأَنا مُنْذُ الْآن أسعى فِي
تشريف نَفسِي بدراسة الْعِلم وَطلب الْحِكْمَة. ثُمّ صَار من أشدِّ حاضري مجْلِس
أفلاطون حِرصًا عَلَى اكْتِسَاب الْحِكْمَة، وَأَحْسَنهمْ للْعلم أخذا.
وجميل قول من قال :
لك وَجهٌ يَحلُّ البَصقُ فيهِ .. ويَحْرُمُ أن يُلقَّى بالتَّحيّةِ
يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ـــــــــــ
صحيح البخاري (4/ 6)
مسند البزار (7/ 320)
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق – ابن مسكويه(ص: 206)
جمع الجواهر في الملح والنوادر – أبو اسحاق الحصري (ص: 139)
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي - النهرواني (ص:
205)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق