السبت، 8 نوفمبر 2014

شيخ معرة النعمان الشيخ أحمد ألحصري

شيخ معرة النعمان
الشيخ أحمد ألحصري
وهو الرجل الذي سيبقى ذكره مقرونا بإذن الله تعالى بذكر الرجال الذين جعلوا خدمة هذا الدين حياتهم كلها ، فعبر أكثر من خمسة عقود من القرن الماضي كان هذا الرجل هو كل شيء بالنسبة للمدينة فهو شيخها وعالمها ووجيهها حتى غدت المدينة تعرف من خلاله ولازلنا نعرّف أنفسنا بأننا من بلد الشيخ أحمد ذلك العالم العامل تلك الشخصية التي كانت ولازال لها حضورها في كل بيت من بيوت المدينة بل وريفها ، وهل للأمة إلا أمثال هؤلاء يعتز بهم 0 والمدينة بأهلها تشهد للشيخ بأنه جعل من نفسه خادماً لهذا الدين خدمة العلماء العاملين ، وكان ديدنه رحمه الله تعالى في مصلحة سكان هذه المدينة ، فلقد كان أبا وأخا ومعلماً ، إن لجأت إليه تأكدت بأنه سيكون في قضاء حاجتك ما أمكنه ذلك ، تقابله فتشعر بالرهبة ، لكنك إن كلمته وجدت التواضع والسماحة وطيب النفس ،  وكان رحمه على خبرة واسعة في التعامل مع الناس على اختلاف وجوههم فقد خبر المنطقة بأكملها وخبر عادتها ، يراعي الشرع ويحكمه في حياته وهو القاسم المشترك بينه وبين الناس ، فهو في حرب دائمة مع كل ما يغضب الله تعالى فتراه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم 0ولد الشيخ في شهر جمادى الأولى لعام 1327 هـ الموافق لشهر أيار عام 1909 والمعرة وقتها في ظل الخلافة العثمانية ، عاش رحمه الله طفولته في حالة من قلة ذات اليد ثم أتاه الله من سعته لكنه هو هو 0 بدأ الشيخ تعليمه في المعرة ولم يكن وقتها سوى مكتب للتعليم أسس في نهاية العهد العثماني ، ثم أكمل تعليمه في حلب وحلب هي محط أنظار المعريين في كل شيء ، انطلق إلى حلب تحمله رغبة جامحة في طلب العلم ، وفي حلب نال حظاً وافرا من التعليم مكنه من إتمام رسالته ، وصقلته معرفته ولقاؤه بالعديد من علماء حلب ، وكان قد انتسب فيها للمدرسة الخسروية فيها ، وهي غنية عن التعريف وصفها الشيخ الغزي في نهر الذهب في تاريخ حلب والشيخ راغب الطباخ في إعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء وهو من أساتذتها وممن علم الشيخ أحمد فيها ، ومن خلال المدرسة تعرف على صديق عمره وشيخ حماة وعالمها الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى0 تخرج الشيخ في بداية الثلاثينات وعاد لشق طريقه في العمل الدعوي الذي اختاره لنفسه ، عاد وهو يشعر أنّ المعرة التي غني تاريخها بفقهاء وعلماء عظام ذاع صيتهم في مصر والعراق والشام هي الآن شبه خالية من أمثال هؤلاء ولن نجحف الناس حقهم لقد عاصر الشيخ بعض العلماء من آل الرمضان والصبوح 0
مارس الشيخ التعليم الحكومي ليصبح بعدها خطيب المسجد الجامع ألعمري الكبير في المعرة 0 ولازال شخصه على منبر المسجد وهو كالأسد الهصور يرشد ويعلم يشير للخطأ ويعالج القضايا تهم الناس ، وكان البعض يتزمر من أن كان يطيل الخطبة يوم الجمعة ومع ذلك فهم حريصون على حضورها فلقد اتفق الناس على حبه ، كيف لا وهم يرونه حريص كل الحرص على مصالحهم بعيد في تصرفاته عن الشبهات والمصلحة الشخصية ، وكان للشيخ لقاء أسبوعي مع النساء في محمد المصري وهو من أبناء عمار بن ياسر رضي الله عنه يومي الاثنين والخميس
مآثر الشيخ في المعرة
الجمعية الخيرية
أنشأ الشيخ ولأول مرة في المعرة جمعية خيرة كانت غايتها تقديم المعونة لفقراء المدينة ( سميت بجمعية النهضة الإسلامية ) ، تعتمد في ذلك على التبرعات التي يدفعها الميسورين من أهل المنطقة والمدن المجاورة لها وقد حاول الشيخ أن يجمع في أعضائها كل الجادين في العمل من أهل المعرة بإشرافه وتوجيهه 0
معهد الإمام النووي للتعليم الشرعي
كان إنشاءه عام1382 هـ  1962م  فكان نقطة ضوء جليلة القدر في حياة الشيخ فلقد وجد ومن خلال معرفته الدقيقة للمنطقة بأن الحاجة ماسة لهذا النوع من التعليم ، ولاسيما في ريف المعرة ومن جهة أخرى فهو لا يريد أن يترك الساحة خالية من بعده ،  فكانت الفكرة من إنشاء المعهد أن يُعد المنتسب إليه إعداداً دينياً يتناسب وما هيأ له في المستقبل ، لقد اختار الشيخ اسم الإمام النووي ليكون اسماً لهذا المعهد ذالك الرجل الذي لن يغيب حبه عن قلوب المسلمين أبد الدهر ، وبذلك حمّل الشيخ نفسه مسؤولية الإشراف التربوي والمادي على طلاب المعهد الجديد واستطاع بفضل الله ومنته النجاح بذلك ولازال المعهد مستمر يخرج طلاب العلم من أبناء المنطقة عموما 0شارك الشيخ التدريس في البداية عالمان جليلان هما الشيخ أديب السمنة (الآمنة) وعالم جليل آخر هو الشيخ صبحي الجسري ( العدولي ) رحمهم الله تعالى 0
علم الشيخ
لقد كان رحمه الله تعالى عالما واسع الإطلاع على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه كمان كان على دراية بالمذاهب الإسلامية وقد مارس الإفتاء عملياً ووظيفياً حتى وفاته رحمه الله تعالى ولست بالأهل لتقدير سعة علم الشيخ لكن الله منّ علي بلقاء بعض علماء دمشق الأجلاء وما التقيت واحداً وعُرفت من المعرة إلا وسئلت عن شيخنا فلقد أثنى عليه عالم سورية الشيخ المربي حسن حبنكة رحمه الله تعالى في لقاء لي معه في بيته في حي الميدان وكنت أحضر درسه العام بعد صلاة الفجر أيام الجمعة ، وفي لقاء لي مع الشيخ ملا رمضان البوطي رحمه الله تعالى ) الذي لازلت أذكر عذوبته فلقد كان يوم الثلاثاء بعد صلاة المغرب عام 1976 ، فأثنى عليه ثناءً يليق بالعلماء رغم أنه لم يلتق به ، وكذلك أثنى عليه الشيخ الدكتور محمد عوض حفظه الله 0                                 وهنا لابد من القول أنّ أمثال هؤلاء الرجال ما كانوا كذلك ليحصدوا الثناء بل هم رسل الإسلام اليوم ، دأبهم الحفاظ على سنة محمد صلى الله عليه وسلم وتسليم أمانة هذا الدين إلى شباب هذه الأمة نقية طاهرة 0
أقسم وأنا أكتب هذه الكلمات أني أكتب عن رجل انتقل إلى رحمة ربه وشكّل انتقاله فراغاً في المدينة لم يسد حتى اللحظة فالشيخ كان أباً لكل الناس في المدينة وبكل ما تعني هذه الكلمة ، يده في حل مشاكلهم ، كلمته لها قبول عجيب عند أهل المدينة بل وريفها إن تكلم في مجلس يرقب الناس كلامه فلم يعهد عنه أن يماري في الله أحداً ، لقد عالم بكل أحوال المنطقة  جند حياته لحل مشاكلها بما يرضي الله عز وجل ، وكان منبر المسجد الجامع الكبير أحد أهم وسائل التوجيه من خلال خطب الجمعة والمناسبات العامة الأخرى ، عادات سيئة كثيرة جعله الله سبباً في زوالها رحمك الله يا شيخ المعرة وجزاك الله من خير ما يجزي عباده الصالحين 0
ورع الشيخ
لقد كان حياته كلها صورة للمؤمن الذي يراعي الله في شؤون حياته بعيداً عن الكبر متواضعا تواضع العلماء همه الصلاح والإصلاح ترك الدنيا وراءه لا يبتغي مغنما دنيوياً ولا يروم مكانة اجتماعية مع أنه كان سيد هذه المدينة دون أن يسوده الناس ، والقصص التي تؤيد ما قلناه كثيرة  ومن القصص الطريفة والتي حصلت مع الشيخ وأحب روايتها والتي تؤكد حاجتنا للعلماء العاملين وكانت قبل وفاته رحمه الله تعالى حيث نوى الحج لبيت الله الحرام إلا أن السيد الوزير رفض منحه إجازة للحج واشترط لذلك لقاءه فهذب الشيخ إلى دمشق فوجد عند السيد الوزير كل الحفاوة والحب لقد أراد تكليفه برئاسة وفد الحجيج السوريين لكن الشيخ رفض متعذرا بعامل السن وأنه لا يستطيع تقديم خدمات للحجاج تتناسب وما ستنفقه الدولة عليه مع العلم أن هذا المنصب يحتاج وبالنسبة للكثيرين إلى التدليس ولن أقول أكثر 0
تحدث الناس عن كرامات حصلت للشيخ ولكنني أقول إنه وجوده بحد ذاته كرامة لله على أهل هذه المنطقة وبعد لقد توفي رحمه الله تعالى سنة/ 16 / 12 / 1406هـ الموافق لـ /21 / 8 / 1986/ لقد كان يوما صعباً وقاسياً فقد فيه الناس علماً وعالماً رحمك الله يا شيخنا وليس لنا إلا أن نذكرك بكل الخير فلقد كنت وكنت وكنت

أخوكم هشام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق