السبت، 8 نوفمبر 2014

خطبة طارق واحراق السفن بين الشك والحقيقة

خطبة طارق واحراق السفن بين الشك والحقيقة
طارق بن زيادخطبة الفتح وإحراق السفنبين الحقيقة والشكإعداد المدرس هشام كرامي( 1 )خطبة الفتح وإحراق السفن بين الحقيقة والشكبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافؤ مزيده ، والصلاة والسلام على خير خلق ، وبعدأتوجه ببحثي هذا إلى كل طالب للحق ، كان البحث مع الصبر زاده في الوصول إليه ، حرر نفسه من أهواء استعبدت أفكار الآخرين ، فكان غاية في نزاهة الفكر ، استأمنه القلم على أن لا يخط به كلمة سوى الحقيقة ، وهو ينطلق في ذلك من إحساسه وانتمائه لأمة إن امتازت بشيء فقد تميزت بأن لا تستريح لشيء سوى البحث عن الحق بأسلوب العلم وقواعده وأن لا تركن إلا إليه 0ومن خلال ما ادعيت أحببت طرح قضية خطبة الفتح وما سبقها مما زعم عن إحراق السفن التي نقلت جيش الفاتحين عبر بوغاز يفصل بين الساحل المغربي وشاطئ أسبانية 0وأنا وقد نسبت لنفسي وادعيت البحث عن الحق بأمانة وصدق ، لم أقصد طرح قضية جديدة على البحث التاريخي ، وأؤكد بأنني لست الأول في طرحها ولن أكون الأخير ، كما أنني أدرك أن التساؤل عن جدوى طرح مثل هذه القضية وقيمته العلمية يطرح أيضاً سواء على القارئ أو السامع استفسارا ، ليقال ترى من خلاله وما هي الجدوى ومن ما هي الفائدة لطرح مثل هذه القضية وأخواتها مما يمكن أن يتداول الناس ، ثم إن الفتح قد تم وانتصر جيش الفاتحين ، كما أنها قضية جزئية يمكن تجاوزها إلى قضايا أكثر حيوية في نظر البعض ، وخصوصا ونحن في وقت ابتعد فيه الناس عن طرح الكليات فما بالك بالجزئيات 0ولكنني ومن خلال مقولة أومن بها وهي أن أمة لا تاريخ لها أمة لا نسب ، خصوصا ونحن أمة تميز بأسلوب فريد في تدوين تاريخها عن بقية تاريخ الأمم التي سبقتها وتلك التي تعايشها ، بتحري الحقيقة أينا كان شكلها 0كما لابد لي من التذكير أن دراسة التاريخ لها من الأهمية التي لا تقل عن أهمية أي أمرٍ يسهم في الحفاظ على هذه الأمة واستمرار وجودها ، لا بل هو ضرورة لا شك في أهميتها ، فالعودة لتاريخ هذه الأمة أساس لاستمرارها ومنطلق لإعادة أداء دورها الحضاري كأمة رائدة في كل شيء سواءً كان علما أم أدبا0لن أدعي وجود مؤامرة تحاك لتشويه تاريخنا ، لأن الحقيقة الجلية تنطق لوحدها كل صباحا وكل مساء ، فلقد شوهت صور لشخصيات أقل ما يقال عنها أنها شخصيات أدت رسالة إنسانية( 2 )يجدر دراستها والانتفاع بها ، فهارون الرشيد وكافور الإخشيدي وقراقوش وعبد الرحمن الغافقي والآن خالد بن الوليد ، وغيرهم كثير ، اتهموا وجرت محاولات جادة لتشويه صورهم عند أبنا الجيل لتناقض ما كانوا عليه حقيقة 0والجدير بالاهتمام أن شخصيات أخرى ربما نقول عنها بأنها مارست الظلم أو وصلت إلى درجة الفسق كالوليد بن يزيد ، زيد في تشويهها لدرجة لا يمكن تصورها 0ولسنا هنا في معرِض مناقشة الأسباب وتفسير النوايا ، إلا أنني كمحب لتاريخ أمة منت علي بشرف الانتساب إليها ، أقول أيسكت أحدنا إن سمع أو قرأ عن اتهام وجه لنسبه وبما يُزل أو يشين أيقف هكذا ، أم أنه ينطلق منافحا عنه يبحث في مآثره محاولا إيجاد ما ابيض من صحائفه وهو فرد ، وربما غير مؤثر في الحياة العامة ، فكيف إذا التشويه لا يتصل بشخص بل بأمة أدرك أعداؤها أن البدء بتدمير الكليات منها أمر فيه استحالة ، فتوجهوا وبعد تجربة لم تلق فلاحاً ، فأعادوا الكرة ليبدؤوا بالجزئيات طعما منهم بطعن الكليات وأملا في إسقاطها 0فلقد أريدَ بتشويه صورة قراكوش تشويه صورة صلاح الدين التي رسخت عند الناس بصورة السلطان البطل العادل فكيف يستوزر ظالما مع العلم أن قراقوش كان من أعدل الناس في حينه0ومن هنا كانت الغاية في أننا ندرس تاريخنا لنقف عند الحقائق نتعلم منها ونحن نؤمن أن أعلاما عظاما هم من دونوا لنا تاريخا نقل بأمة وصدق ابتعدوا فيه عن مبدأ الانتقاء والتصفية النوعيةلقد نقلوه لنا بحلوه ومره أبيضه وإن صحة العبارة أسوده ، ليضعوا بين أيدينا سجلاً لكل التجارب الإنسانية التي عاشتها الأمة 0فكلام ربعي بن عامر أمام رستم كان في جملة دلالته إشارة إلى حجم الوعي الذي وصل إليه المقاتل الذي انطلق من الجزيرة العربية فكان في سلوكه ولسانه صورة صادقة عبرت عن سبب وجوده في القادسية ، ولنتصور أنه ما قاله ربعي جملة ادعاء أو أنه مما نسب له ، أو أن ما قاله لم يكن في سوية ما وصلنا ، فعند ذلك ستتغير الصورة المتعلقة بمجريات الأحداث التي تمت في معركة القادسية ويذهب الشك مذهبه في الطعن في مجرياتها وأحداثها 0والهدنة التي أعلنها أبي عبيدة عند أسوار المعرة ، ودعوة جنده للاقتراب من سكانها والاختلاط بهم ، كانت سبباً رئيساً في اقتناع أهل المعرة بعدم جدوى القتال والرغبة بالصلح وبالتالي لم ترق قطرة دم بين الفرقين 0( 3 )من خلال ما تقدم قد ربما وجدت مبررا لأبدي رأياً مستعينا في ذلك بآراء العديد ممن درس وحقيق في قضية الخطبة المنسوبة لطارق بن زياد ومن ثم دعوى إحراق السفن التي حملت جيش الفاتحين إلى البر الأندلسي 0في البداية لا بد لي أن أُذَكِّرَ بالأرضية المكانية للأحداث موضع البحث ، فالمنطقة موضوع البحث هي في أقصى جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية ذات طبيعة صخرية متوغلة في مياه البحر الأبيض المتوسط. أي أننا الآن على مشارف بحر الظلمات ، ( البحر المحيط الأطلسي ) وإن توجهنا شمالا نقف عند برزخ بحري أطلق عليه العرب اسم بوغاز متوسط عمق المياه فيه لا يتجاوز 300م يقابله في الشمال شبه ذراع بري أقرب مسافة تفصله عن شواطئ المغرب هي 14 كم 0يطلق عليه اليوم اسم جبرلتار Gibraltar وذلك تشويها للاسم العربي جبل طارق وهي اليوم منطقة تتمتع بحكم ذاتي 0لقد خضعت المنطقة للتاج البريطاني في 4/ 8/1704 م ، وتنازلت عنها أسبانية سنة 1713 م وظلت جزءا من المستعمرات البريطانية حتى عام 1981 م 0قررت بعدها تحويلها إلى منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني ، على الرغم من عدم موافقة أسبانيا على ذلك فهي لا زالت تعدها جزءا منها 0لا تزيد مساحة المنطقة عن 6.8 كم وعاصمتها جبرلتار واللغة الرسمية هي الإنكليزية والأسبانية إضافة إلى لغة مزيجة فيها بعض المفردات العربية تسمى بلانيتو ، وتفكر بريطانية اليوم بعمل نفق يصل بين أوروبة والمغرب كنفق بحر المانش 0أما من حيث الساحة الزمنية فنحن الآن في خلافة الوليد بن عبد الملك وفي السنة التاسعة والثمانين للهجرة ، عندما قام الوليد بجملة تغييرات بعد تسلمه الخلافة ما يهمنا فيها هو عزل حسان بن النعمان عن ولاية أفريقية وتولية موسى بن نصير الذي سارع أيضا في إكمال الفتح الإسلامي للمغرب والقضاء على كسيلة الكاهنة قد عاثت فسادا في أهل المغرب في ولاية حسان بن النعمان [1] كما حاول إعادة تأمين السواحل المغربية حيث وصلت السفن العربية بقيادة ابنه عبد الله إلى ميورقة [2]( 4 )ولقد كان من نتائج المعارك التي خاضها في جبال الأطلس الأعلى اتصاله بطارق بن زياد ، الذي ينتمي لقبيلة الصدف وهي من القبائل الوثنية التي وصفها المؤرخون بأنها شديدة التمسك بدينها ولم تلك القبائل المتواجدة في الأطلس الأعلى قد دخلت الإسلام بعد [3]كان طارق واحداً من أفراد تلك القبائل التي دخلت الإسلام على يد موسى بن نصير ويذكر المؤرخون أن ربما ولد عام 50 وتوفي عام 102 هـ الموافق لسنة 607 – 720 م 0التحق طارق بجند موسى ولقد أظهر من خلال المعارك التي خاضها مهارة جعلت موسى بن نصير يستعمله على طنجة وأمَّره على تسعة عشر ألفا من الجند ، ومن خلال وجوده في طنجة جاءت الأوامر من القيروان بالتوجه لفتح الأندلس الذي تم في شهر رجب وربما في رمضان لسنة 92 هجرية /يونيو 711 ميلاديةلن أقف كثيرا عند شخصية هذا البطل فالموضوع متعلق في قضية تنازع الكثيرون في إثباتها أو نفيها ألا وهي نص الخطبة التي سبقت معركة الفتح ومن ثم ما زعم من إحراقه السفن التي نقلت جند المسلمين إلى بر الأندلسالخطبة: في البداية يمكن القول أننا لو راجعنا المصادر العربية ومن ثم الأندلسية منها خصوصا ، لتبين لنا ما يلي :أولاً : إن أقدم نص أندلسي أشار للخطبة هو كلام عبد الملك بن حبيب من مؤرخي القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي أي بعد فتح الأندلس بمئة وأكثر من أربعين عام وبعد أن ذكر أن كل ما قاله طارق بن زياد(( فلما بلغ طارقاً دنوَّه قام في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه، ثم حض الناس على الجهاد ورغبهم في الشهادة ، ثم قال : أيها الناس ، أين المفر ؟ والبحر من ورائكم ، والعدو من أمامكم ؟ فليس لكم والله إلا الصد والصبر ، ألا وإني صادم طاغيتهم بنفسي ، لا أقصر حتى أخالطه أو أقتل دونه [4]والسؤال الذي يطرح نفسه أهذا كل ما قاله طارق أم هو إقحام من الناسخ لجزء من نص نقله عن ابن خلكان أو غيره وقد كانت كتابات المشرقيين معروفة ومعتمدة في الأندلس وإلا ألا يستنكر المرء وجودها عنده وغيابها عند غيره من كتاب الأندلس( 5 )ثانيا : وردت الخطبة عند عبد الرحمن بن هذيل وهو أندلسي من القرن الثامن الهجري في كتابه تحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس وبعد أن ذكر مقدمة الخطبة مع بعض الاختلاف فيقول (( فاقتتلوا ثلاثة أيام أشد قتال ، فرأى طارق ما الناس فيه من شدة ، فقام يعظهم ويحضهم على الصبر ، ويرغبهم في الشهادة ، وبسط في آمالهم 0 ثم قال : أين المفر البحر من ورائكم والعدو أمامكم ، فليس إلا الصبر منكم والنصر من ربكم ، وأنا فاعل شيئاً فافعلوا كفعلي ، والله لأقصدن طاغيتهم فإما أن أقتله وإما أقتل دونه ))[5] ويلاحظ الشبه بين هذا النص والنص السابقثانيا : لم ترد الخطبة عند المؤرخون الأندلسيون المتقدمون كما أن المتأخرين منهم قل أن يتعرضوا لهاثالثا :ورد ذكر الخطبة عند بعض المشرقيين كابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة بشكل مخالف لنصها المعروفرابعاً : ورد في الخطبة العديد من الأخطاء كاستخدام ( اليونان ) التي ربما جاءت للسجع فالمؤرخون الأندلسيون اعتادوا في مثل هذه المناسبات على استخدام لفظ القوط أو الروم أوالعلوج أو الروم أو المشركين أو الكفار[6]خامساً :في مثل هذه المناسبة كان المتوقع استخدام بعض آيات القرآن الكريم أو شيئا من أحاديث النبي eسادسا :طارق من البربر ومن المفروض أن يكون الخطاب بلغتهم فليس من المعقول أن يكونوا قد وصلوا إلى هذه السوية اللغوية لكي يستطيعوا فهم هذا النص العربي 0 لأنهم في معظمهم من البربر ومن جهة أخرى رأى المؤرخون في الخطبة نصا أدبياً يصعب على طارق صياغته ، ومن الغريب أن البعض وجدا حلا لهذه المشكلة فقال ربما كانت الخطبة بلغة ومن ثم ترجمها المؤرخون وهو كلام ليس عليه دليل( 6 )سابعاً : الجمل الأخيرة من الخطبة ( ولم يعوزكم بطل عاقل 00000 ) ثم ( واكتفوا إليهم من فتح هذه الجزيرة بقتله 0000) عبارات تنافي أسلوب الفتح والخطط العسكرية التي وضعت ومن ثم متطلباتها الفنيةثامنا :مما تقدم لا ينفي أن يكون طارق جيد الكلام سليم العبارة وأنه قد خطب جنده وحثهم على الجهاد فلقد أنشد في المسهب وابن اليسع في المعرب لطارق من قصيدة قالها في الفتح:ركبنا ســـفيناً بالمجاز مقيّرا عسى أن يكون الله منّا قد اشترىنفوســـاً وأموالاً وأهلاً بجنّةٍ إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيسّراولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا إذا نحن أدركنا الــذي كان أجدراقال ابن سعيد: وهذه الأبيات ممّا يكتب لمراعاة قائلها ومكانته، لا لعلّو طبقتها، انتهى. [7]ومن الباحثين العرب الذين طرحوا الشك في نص الخطبة الدكتور عمر الدقاق والأستاذ محمد بن تاويت والدكتور محمد الصادق العفيفي والأستاذ محمد عبد الله عنان والأستاذ محمد حسن كجة والدكتور أحمد بسام الساعي والدكتور سوادي عبد محمد والدكتور عبد الرحمن الحجي وغيرهمأخيراً : نص الخطة كما ذكرها ابن خلكان في وفيات الأعيان و صاحب نفح الطيب أحمد بن محمد المقري التلمساني فلما بلغ طارقا دنوه قام في أصحابه فحمد الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه بما هو أهله ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم في الشهادة ثم قال :أيها الناس أين المفر والبحر من ورائكم والعدو أمامكم فليس لكم والله إلا الصدق والصبر واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مآدب اللئام وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته وأقواته موفورة وأنتم لا وزر لكم غير سيوفكم ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا ذهبت ريحكم وتعوضت القلوب برعبها منكم الجراءة عليكم فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية فقد ألقت به إليكم مدينته المحصنة وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن لكم إن سمحتم بأنفسكم للموت وإني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس أبدأ فيها بنفسي واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلا( 7 )فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فيما حظكم فيه أوفر من حظي وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدر والمرجان والحلل المنسوجة بالعقيان المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عربانا ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا وأختانا ثقة منه بارتياحكم للطعان واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه معكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة ويكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المسلمين سواكم والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية قومه لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى فاحملوا معي فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ولن يعوزكم بطل عاقل تسندون أمركم إليه وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا المهم من فتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده يخذلون[8] ويلاحظ أن ابن خلكان لم يذكر مصدره في نقلهاويقول صاحب نفح الطيبفلما بلغ طارقا دنوه قام في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم 0ثم قال أيها الناس أين المفر البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته وأقواته موفورة وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا ذهبت ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت وإني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمعتم بالأرفه الألذ طويلا فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه بأوفى من حظي وقد بلغكم ما لأنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدر والمرجان والحلل المنسوجة بالعقيان المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان وقد انتخبكم الوليد ابن عبد الملك أمير المؤمنين( 8 )من الأبطال عربانا ورضيكم لملوك هذه الجزيرة صهارا وأختانا ثقة منه بارتياحكم للطعان واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وأني عند ملتقى الجمعين حامل نفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إنشاء الله تعالى فاحملوا معي فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا الهم من الفتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده يخذلون[9]تاسعا :من خلال قراءة النصين يلاحظ اختلاف واضح بينهما لذا نرى أن الدارسين وغير الشاكين فيها يعتمدون على نص نفح الطيب لأحمد بن محمد المقري التلمساني أكثر سلامة من الناحية اللغويةمسألة إحراق السفن :يمكننا أن نسجل الملاحظات التالية :أولاً : أنّ قصة إحراق السفن لم تظهر إلاّ بعد مرور أربعة قرون ونصف القرن من تاريخ الفتح الإسلامي لأسبانياثانيا : وحتى عند مؤرخين القرن الرابع الهجري لن نجد أثر لهذه القصة عند المؤرخون القدماء سواء كانوا مغربين أو أندلسيين أو مصريين أذكر ومنهمأ-ابن الفرضي 403هـ صاحب " تاريخ علماء الأندلسب -عبد الملك بن حبيب صاحب كتاب " مبتدأ خلق الدنيا وهو أندلسي عاش في مصرت -ابن عبد الحكم المؤرخ المصري , صاحب كتاب فتوح مصر والمغرب والأندلس وهو ممن أرخ للأندلسث -مؤرخو القرن الخامس أندلسيين ومغربين خلت كتبهم من قصة إحراق السفن أمثال شيخ مؤرخي الأندلس أبي مروان بن حيان القرطبي صاحب المقتبس, وابن حزم الأندلسي صاحب "( 9 )نقط العروس و طوق الحمامة وجمهرة أنساب العرب والطرطوشي صاحب سراج الملوك والرقيق القيرواني صاحب تاريخ إفريقية والمغربجـ- يستدل البعض بعبارة وردت في الخطبة المنسوبة إلى طارق، تقول: (البحر من ورائكم، والعدو أمامكم ) والتي يفهم منها أن لا سبيل للعودة وأن الخيار الوحيد قتال العدو، وعلى افتراض صحة هذه العبارة، وصدق النص الذي وردت فيه فإنها لا تستلزم قط اقترانها بحرق السفن، فالعبارة ندل على تصور الواقع والموقع. فلقد كان موقف المهاجمين حرجا إذ كان البحر بالفعل وراءهم، والعدو أمامهم. والمقصود هو إشعار الجند بحراجة الموقف وأن عليهم الاستبسال في القتال.د - هل من المقبول من وجهة النظر العسكرية لقائد هو خالد بن الوليد الأندلس فطارق لم يخسر في حياته معركة قط أن يقع في خطأ يضعف قوة جيشه، ويحرمه من المدد الذي يمكن أن يوافيه من خلال موسى بن نصير أو يضعف وصولههـ - وإذا انتقلنا للمصادر التاريخية في القرن السادس الهجري والمعاصرة للإدريسي الذي قال (لما جاز بم معه من البربر و تحصنوا بهذا الجبل، أحس في نفسه أن العرب لا تثق به، فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التي جاز بها فتبرأ بذلك عما اتهم به). [10]وابن الكردبوس الذي لم تزد روايته عن قوله (ثم رحل طارق إلى قرطبة بعد أن أحرق المراكب وقال لأصحابه: قاتلوا أو موتوا). [11] ويظهر من كلام الإدريسي شك طارق بمن معه وخص بالذكر العرب وهم أمر مستنكر تاريخياً0ويبقى صاحب الروض المعطار الذي أخذ عن الإدريسي وهم القائلين بقصة لإحراقو- لا نجد لها أثراً عند ابن بسّام الشنتريني صاحب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وابن بشكوال صاحب الفهرست وحتى مؤرخي القرن السابع الهجري فليس لها أثر عند ابن عذري المراكشي في البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب ولا في المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي وكذلك في كتاب الذيل والتكملة لمحمد بن عبد الملك المراكشي والتكملة والحلة السيراء لابن الأبار , وهي لم تظهر كذلك عند مؤرخي القرن( 10 )الثامن الهجري وعلى رأسهم علامة المغرب عبد الرحمن بن خلدون , ولسان الدين بن الخطيبفهل يمكن أن يتجاهل جميع هؤلاء المؤرخين المغاربة الأندلسيين لهذه القصة وفي الختام فإنني أميل للقول بأن طارق قد خطب جنده وهي معروفة عند القادة ولكنني غير ميال لتصديق الرواية التي جاء بها ابن خلكان وصاحب نفح الطيب للأسباب الآنفة الذكرولابد لي أن أقول في النهاية إن تاريخنا هو أمتنا هو فكر الأمة وعقيدتها إنه بكل ظواهر الاجتماعية وأحداثه السياسية له خصائص ومقوماته إنه كائن يعج بالحياة بكل معانيها التي تميزه عن غير إن شئت أن تسميه أحد معجزاتها فهو في الحقيقة كذلكالمدرس : هشام كرامي[1] - الكامل في التاريخ محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني ج4 ص137[2] الكامل في التاريخ محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني ج4 252[3] وفيات الأعيان ج: 5 ص: 320[4] مجلة معهد الدراسات الإسلامية في مدريد العدد 5 ص 222 ( القسم التاريخي )[5] التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقط غرناطة الدكتور عبد الرحمن الحجي ص59[6] [6] التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقط غرناطة الدكتور عبد الرحمن الحجي ص60[7] نفح الطيب أحمد بن محمد المقري التلمساني ج/1 ص265[8] وفيات الأعيان ج: 5 ص: 321/ 322[9] نفح الطيب ج: 1 ص: 240 / 241[10] نزهة المشتاق ص 36[11] الاكتفاء لابن الكردبوس ص46-47
مرسلة بواسطة معرة النعمان بن بشير الأنصاري في 08:50 م 0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق