صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
بين الشجاعة والجبن مسافة
أشدّ من الخوف الشيء الذي من أجله يشتد الخوف.
الشّجاعة شجاعتان، وليست تكون الشجاعة إلّا في كلّ أمر لا
يدرى ما عاقبته، يخاطر فيه بالأنفس والأموال. فإذا أردت الحزم في ذلك فلا تشجّعنّ
نفسك على أمر أبدا إلّا والذي ترجو من نفعه في العاقبة أعظم ممّا تبذل فيه في
المستقبل، ثم يكون الرجاء في ذلك أغلب عليك من الخوف.
وهاهنا موضع يحتاج فيه إلى النظر: فإن كان ذلك أمرا واجبا في
الدّين، أو خوفا لعار؟ به الأعقاب فأنت معذور بالمخاطرة فيه بنفسك ومالك. وإن كان
أمرا تعظم منفعته في الدنيا إلّا أنّك لا تناله إلّا بالخطار بمهجة نفسك أو بتعريض
كلّ مالك للتّلف، فالإقدام على مثل هذا ليس بشجاعة، ولكن حماقة بيّنة عند الحكماء.
وقالوا: «لا تخرج الأمر كلّه من يدك وخذ بأحد جانبيه»
قالوا في المثل : إنَّ الجبان حتفه من فوقه. ومن فرط الجبن
أنّه يفزع من كلّ شيء وينبحه. وحين يحل الجبن على المرء . قال الله عزّ وجلّ:
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . قال جرير :
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكرّ عليكم ورجالا
وكان في بني ليث رجل جبان فخرج رهطه وبلغ ذلك ناساً من بني
سُليم كانوا أعداءهم فلم يشعر الرجل إلا بخيل قد أحاطت بهم فذهب يفرّ فلم يجد
مفراً ووجدهم قد أخذوا عليه كل وجه، فلما رأى ذلك جلس ثم أبرز كنانته وأخذ قوسه
وقال:
ما علّتي وأنا جلدٌ عابل ... والقوس من نبعٍ لها بلابل
يرنّ فيها وترٌ عنابل ... إن لا أقاتلكم فأمّي هابل
أكُلّ يومٍ أنا عنكم ناكل ... لا أطعن القوم ولا أقاتل
الموت حقٌّ والحياة باطل
فقاتلهم فانهزموا فصار بعد ذلك أشجع قومه.
ـــــــــ
الرسائل السياسية (ص: 79)
الحيوان (1/ 186)
المحاسن والمساوئ – محمد البيهقي(ص: 208)
الأمثال لابن سلام (ص: 316)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق