الثلاثاء، 29 أكتوبر 2024

لئيم يفخر بلؤمه ! واللؤم من أسرار البلاء الذي نحن فيه ومن حياة السلف لنا مثل

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي

لئيم يفخر بلؤمه ! واللؤم من أسرار البلاء الذي نحن فيه ومن حياة السلف لنا مثل

ونحن تعيش في عصر يفخر اللئيم بلؤمه ومن اللؤم أن تفخر بالأذى سواء كان بالكلمة أو بالفعل ، واللَّئيمُ: الَّذِي يجمعَ معَ البخلِ مَهانةَ النّفسِ والأصلِ. حدّث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن مهرويه قال: كانت بيني وبين أبي جعفر بن قديدة، عداوة، وكنت قد تبت من التصرّف مع السلطان. فتقلّد ضياع السيدة أمّ المقتدر، وفيها ما يجاور ضيعتي، فآذاني أذى شديدا، وقصد إخراب ضيعتي، وإبطال جاهي، فصبرت عليه.  فقبض يوما على أكّار لي، فصفعه صفعا عظيما، فأنفذت إليه كاتبا كان يكتب لي يعرف بأبي القاسم ، ليعاتبه، ويستكفّه، ويأخذ الأكّار، فتلقّى الرجل بكلام غليظ. فعاد إليّ، فقال: إنه راغب في آخذاك فخذ حذرك ، فقلت: ما الخبر؟ فعرّفني ما جرى عليه. ففكّرت، فلم أر لحسم عداوته سوى ضمان ضعتي للسيدة أم المقتدر وأنفذت الكتاب مع فيج قاصد. فحين نفذ، اغتممت، وقلت: ضياع لا أعرف حاصلها على الحقيقة، لم حملت نفسي على هذا؟ وكان احتمال عداوة الرجل، أيسر من هذا. وطرحت نفسي مفكّرا، وأنا بين النائم واليقظان، حتى رأيت، كأنّ رجلا شيخا، أبيض الرأس واللحية، بزيّ القضاة، قد دخل إليّ، وعليه طيلسان أزرق، وقلنسوة، وخفّ أحمر. فقال: ما الذي يغمّك من هذا الأمر؟ ستربح في أوّل سنة من هذا الضمان، على ما زدته، عشرة آلاف دينار، وتخسر في الثانية، عشرة، وتخرج في الثالثة بغير ربح ولا خسران، ويكون تعبك بإزاء اشتفائك من عدوّك. فانتبهت متعجّبا، وسألت: هل دخل إليّ أحد؟ فقالوا: لا، فقويت نفسي قليلا. وجاءني الرد من بغداد بالقبول فلما كان بعد أيّام، كنت جالسا مع عامل الأهواز، على داره بشاطىء دجيل  فإذا بعسكر عظيم قد طلع من جانب المأمونيّة. فارتاع، وظن أنّ صارفا قد ورد، وأنفذ من سأل عن الخبر، فعاد، وقال: فلان، عامل السيّدة أم المقتدر يسأل عن أبي علان . فقلت: أنا هو يا سيّدي. ولم يكن يعرفني فأقامني من موضعي، ورفعني فوق الجماعة، وتحيّر العامل، ومن حضر. وقال له: أريد ابن قديدة، فأنفذ إليه، فاستدعاه. فحين حضر قيّده، وقال لي: يا أبا القاسم تسلّمه. وأقبلت الجماعة تمازحني. فقلت: هو أحوجني إلى هذا. قال: فتسلّمته، وقمت إلى داري. وعبر عامل السيّدة، وعقد عليّ الضمان لضعتي من غد، وأطلقت ابن قديدة بعد شهور إلى داره، وقد ركبه دين ثقيل، وباع شيئا من ضيعته، وانكسر جاهه، وانخزلت نفسه. ونظرت في الضمان، وتصرّمت السنة، فربحت عشرة آلاف دينار. فقلت: قد جاء ما قال الشيخ في المنام، فأثبتّها ولم أدخلها في دخلي، ولا في خرجي. فلما كانت السنة الثانية، قعدت بي الأسعار، فخسرت ذلك القدر، فأدّيته بعينه في الخسران. فلما كانت السنة الثالثة، خرجت رأسا برأس، ما خسرت ولا ربحت شيئا. وطالبني بتجديد الضمان على الزيادة، وعمل على التأوّل عليها من ابن قديدة. وأنفذ في اشخاصي، خادما من كبار خدم السيّدة، فخفت وأنزلت الخادم، وهاديته، ولا طفته، وحملت إليه خمسة آلاف درهم فاستعظمها، فقلت له: إنّ ذيلي طويل ، وأريد أن أصلح أمري، ثم أخرج، فتمهلني أسبوعا، وتدعني أخلو في منزلي، وأصلح ما أحتاج إليه، ثم أخرج معك، فمكّنني من ذلك. فقلت لإخوتي، وأصهاري، وكتّابي: ليدعه كلّ واحد منكم يوما، له، ولغلمانه، وأسبابه، وامنعوهم من معرفة خبري، وشاغلوهم ففعلوا ذلك. وخرجت أنا تحت الليل بمرقّعة  ، راكبا حمارا، ومعي غلامان من غلماني، ودليل، وليس معي شيء من الدنيا، إلّا سفاتج بخمسة آلاف دينار. وسرت واشتغل الخادم بالدعوات، فما عرف خبري إلّا وأنا بواسط ، فقامت قيامته، وانحدر في طريق الماء، فوصل إلى الأبلّة  ، وقد قاربت أنا بغداد، ثم دخلتها متخفّيا، وطرحت نفسي على أبي المنذر النعمان ابن عبد الله ، وكانت لي به حرمة وصحبة، أيّام تقلّده الأهواز، وتصرّفي معه، فلقي بي أبا الحسن، عليّ بن عيسى، وهو إذ ذاك الوزير ، وعرّفه محلّي. فقال لي: قد كنت أحبّ أن أراك، لما يبلغني من حسن صناعتك، وطرح إليّ أعمالا، فعملتها بحضرته، وأعجبته صناعتي، ولزمته أيّاما، وخبري منستر عن كاتب السيّدة، ثم خاطب الوزير في أمريّ ، وخوطبت السيّدة. فقالت: لا أقرّر أمره، ليصير إلى ديواني. فقال لي: امض وأنا من ورائك، ولا تخف. فمضيت، فاعتقلوني، فراسلتهم في أمري ،وقرّر الأمر على صلح ثلاثة آلاف دينار، وطالبني عليّ بن عيسى، بالتصرّف معه، فعرّفته توبتي منه، وإنّي إنّما ضمنت هذا الضمان، لضرورة، وشرحت له الخبر، فأعفاني. فرجعت إلى الأهواز، وقد مضت السنون على العداوة بيني وبين ابن قديدة، وكتب السلطان ببيع ضياعه بالأهواز  ، وكان الناس يشترون ما يغلّ في سنة وأكثر، بنصف ثمنه، فاشتريت ما كان فيه غناي، ودخل إليّ ابن قديدة . فقمت إليه، وسلّمت عليه، فعاتبني، وخضع لي. فقلت: ما تريد؟ فقال: تخفّف عنّي من التقسيط، وتعاونني بمالك، فو الله، ما معي ما أؤدّيه. فخفّفت عنه منه شيئا يسيرا، وأقرضته ثلاثين ألف درهم، وكتبت بها عليه ، وأشهدت فيها جماعة عدول البلد، وتركتها في بيتي، فلم أفكّر في المال سنين، ورجعت أدسّ المكاره، والمغارم، والمحن عليه، وهو يذوب، وينقص في كل يوم. فلما علمت أنّه قد بلغ آخر أمره، طالبته بالدين، فاستتر عنّي في منزله. فاستعديت عليه إلى القاضي أبي القاسم عليّ بن محمد التنوخيّ ، واعتلّ علّة صعبة، فجاءتني أمّه، وكانت بيني وبينها قرابة، فسألتني إطلاقه، وبكت، فلم أفعل. إلى أن بلغني أنّه في النزع، وجاءتني تبكي، فرحمتها، فأطلقته لها، بعد أن كفلته منها. فمات بعد ثلاثة أيام، وابتعت بالمال ضياعا من ضياعه.

ـــــــــــــــــــــ

نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (1/ 211)

 

أكار : من يحرث الأرض

فيج : رسول

مرقعة : ثياب بالية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق