الأحد، 21 سبتمبر 2025

الجمال في عيني الرائي ومن محاسن المتكلمات عند العرب

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

الجمال في عيني الرائي ومن محاسن المتكلمات عند العرب

وقد قيل العين ترى الجميل حيث القلب يميل

مي أو الخرقاء حبيبة ذي الرمة

قَالَوا : المَيَّةُ القِرَدَةُ، وقيل : أَنَّ القِرَدة الأُنْثى تسمَّى مَيَّة، ويقالُ منَّة، وَبهَا سُمِّيَت المرأَةُ.

حدث عمر بن يزيد الأسدي، قال: مررت بخرقاء، صاحبة ذي الرمة فقلت لها: «هل حججت قط» ؟ قالت: أما علمت أني منسك من مناسك الحج، ما منعك أن تسلم علي؟ أما سمعت قول عمك ذي الرمة:

تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام

فقلت لها: «لقد أثر فيك الدهر» ، قالت أما سمعت قول العجيف العقيلي حيث يقول:

وخرقاءٌ لا تزداد إلا ملاحةً ... ولو عمرت تعمير نوحٍ وجلت

قال: «ورأيتها وإن فيها لمباشرة، وإن ديباجة وجهها لطرية كأنها فتاة، وإنها لتزيد يومئذ على المائة، ولقد حدثت أنه شبب بها ذو الرمة، وهي ابنة ثمانين سنة» . وحدث رجل من بني أسد قال: «أدركت ميا صاحبة ذي الرمة، وكان الرجل أعور قال: ورأيتها في نسوة من قومها فقلت: «أهذه مي؟ وأومأت إليها» ، فقلنا: فقلت: «ما أدري ما كان يعجب ذا الرمة منك، وما أراك على ما كان يصف» ؟ فتنفست الصعداء وقالت: «إنه كان ينظر بعينين وأنت تنظر إلي بعين واحدة» .

وذو الرّمة أحد عشّاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته ميّة واسمه غيلان بن عقبة بن مسعود بن حارثة ، ويكنى أبا الحارث، وذو الرمة لقب. يقال: لقّبته به ميّة؛ وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء، فقالت لها أمها: قومي فاسقيه. وقيل: بل خرق إداوته لمّا رآها، وقال لها: اخرزي لي هذه، فقالت: واللّه ما أحسن ذلك، فإني لخرقاء. قال: والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئا لكرامتها على قومها، فقال لأمها: مريها أن تسقيني ماء، فقالت لها: قومي يا خرقاء فاسقيه ماء، فقامت فأتته بماء، وكانت على كتفه  رمّة؛ وهي قطعة من حبل، فقالت: اشرب يا ذا الرّمّة؛ فلقّب بذلك وقيل :

كان يصيبه في صغره فزع، فكتبت له تميمة، فعلّقها بحبل، فلقّب بذلك ذا الرّمّة. ومن جميل شعر ذي الرمة

ألا لا أرى مثلي يحنُّ من الهوَى ... ولا مثلَ هذا الشَّوقِ لا يتصرَّمُ

ولا مثلَ ما ألقى إذا الحيُّ فارقوا ... علَى أثرِ الأظعانِ يلقاهُ مُسلمُ

كفَى حسرةً في النَّفسِ يا ميُّ أنَّني ... وإيَّاكِ في الأحياءِ لا نتكلَّمُ

أدورُ حواليكِ البيوتَ كأنَّني ... إذا جئتُ عنْ إتيانِ بيتكِ مُحرمُ

ـــــــــــــ

الأغاني – أبو فرج الأصفهاني (18/ 260)

الزهرة – خلف الأصبهاني (ص: 52)

المحاسن والأضداد – الجاحظ (ص: 188)

 

الثقلاء في كلمات

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

الثقلاء في كلمات

الثقيل أثقل على الْقلب من الْحمل والمشكلة أن يظن بنفسه خفة الروح وقد قيل لجالينوس: بم صار الرجل الثقيل أثقل من الحمل الثقيل، فقال: لأن الرجل الثقيل إنما ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين فيه القلب بالجوارح.

وقال سهل بن هارون، من ثقل عليك بنفسه، وغمك بسؤاله، فأعره أذنا صماء، وعينا عمياء. وكان سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه إذا استثقل رجلا قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه. كان الأعمش مريضا فزاره أحد الثقلاء وقال له: لولا أن أثقل عليك أبا محمد لعدتك والله في كل يوم مرتين. فقال له الأعمش. والله يا بن أخي أنت ثقيل علي وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين. وقيل للأعمش : ما الذي أعمش عينيك؟ قال: النظر إلى الثقلاء. وكان الأعمش رحمه إذا حضر مجلسه ثقيل يقول:

فما الفيل تحمله ميتا ... بأثقل من بعض جلاسنا

شخصُك في مقلة النديم ... أثقل من رعيةٍ النجوم

يا رجلاً ظلُّه علينا ... أثقل من مَنَّة اللئيم

إني لأرجو بما أُلاقي ... منك خلاصاً من الجحيم

ــــــ

العقد الفريد (2/ 153)

ذم الثقلاء - المحولي (ص: 31)

قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور - الرقيق النديم (ص: 86)

ربيع الأبرار ونصوص الأخيار – الزمخشري (2/ 231)

البضلة أو البضلا وما أكثرهم في هذه الأيام

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

البضلة أو البضلا وما أكثرهم في هذه الأيام

والكلمة من التركية، تحريف البلداء العربية: جمع البليد، والأتراك استعملوها صفة للجمع والمفرد.

وفي المعرة يقول : العمى هدا بضلة أي أنه قليل الفهم إلى خد الغباء ، ويحشر نفسه في كل شيء ، وفي العربية البليد الَّذِي يُلقي نَفسه فِي كلّ مُعضلة. وهو لا يدري ما الذي يفعل في أبسط ما يواجهه فالحيرة تركبه ، وتراه في النهاية يضرب كفا بكف ليعتذر عن عجزه وجميل قول بشار بن برد

وَمَن كانَ ذا فَهمٍ بَليدٍ وَعَقلُهُ  ..  بِهِ عِلَّةٌ عابَ الكَلامَ المُنَقَّحا

طروحات غبية واقتراحات أشد غباء والمهم أن يشدك البضلات إلى أوهام لا شأن لك بها

فقدان البصيرة والفطنة سر من أسرار ما نحن فيه من بلاء من قصة سيدنا موسى عليه السلام ومن حياة السلف الصالح نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

فقدان البصيرة والفطنة سر من أسرار ما نحن فيه من بلاء

من قصة سيدنا موسى عليه السلام ومن حياة السلف الصالح نتعلم

في المعرة يقولون للتأنيب : أشو أعمى قلب . وذلك في أن المرء فعل أو لم يستوعب حالة كان من المفروض أن يحسن فيها وقد قالوا البصر هو نظر العين إلى الأشياء وكثيرا ما يخون البصر صاحبه في الإحاطة لما هو أمام بصره ، فلو نظرت إلى شيء في عينك ممكن أن يخدعك في مظهره ، وأما البصيرة هو أن تنظر للأشياء من خلال نظر القلب وتدركها بعقلك وقلبك بدون النظر بالعين .
من الصعب أن يفتح المرء قلبه إلا إذا أحس بالأمان وتخيل معي موسى عَليه السلام يَلقى رَجُلاً غريبَا في أرضٍ غريبة .. فيأمَن له ويفتَح له قلبهُ ويحكي له كُلّ شيء: ﴿فَلَمّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيهِ القَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ﴾ وتِلك إشارَة أنَّ العلاقَات الإنسانيَّة إنما تُقاس بسَلاسة تلاقي الأرواح .. بعمق تفَاهمَها .. وليسَ بطولِ السِنين!

سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول عن أعمى البصيرة :الجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث يشاء،فالجبان يفر عن أهله وولده،والجرئ يقاتل عمن لا يؤؤب به إلى رحله: ومن شعر لأبى يعقوب الخريمى:

يفرّ جبان القوم عن عرس نفسه ... ويحمى شجاع القوم من لا يناسبه

ويرزق معروف الجواد عدوّه ... ويحرم معروف البخيل أقاربه

ولما كان فقدان البصيرة أشنع من فقدان البصر قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) سورة الفتح . فذم الله فريقا من الناس بفقدان البصيرة تنبيهًا لنا بأن فقدانها اختياري، إذ هو بتركهم الإفادة من العلم . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - لمن عيَّره بفقدان البصر: "إنا نصاب في أبصارنا وأنتم تصابون في بصائركم"

بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 103)

الذريعة الى مكارم الشريعة – الراغب الأصفهاني (ص: 135)

 

 

الأمانة سبيل الفرج قصة العقد وقاضي المارستان أبي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري وتاريخنا مليء بأمثال هؤلاء

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

الأمانة سبيل الفرج قصة العقد وقاضي المارستان أبي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري

وتاريخنا مليء بأمثال هؤلاء

حين تتحدث عن الأمانة فإنك تتحدث عن الفرج والفرج بحد ذاته أمانة وذلك في البعد عن محارم الله ، والأمانة سور حصين

فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ إِنِّي عَرَضْتُ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَلَمْ يُطِقْنَهَا، فَهَلْ أَنْتَ حَامِلُهَا بِمَا فِيهَا؟ قَالَ: وَمَا فِيهَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: إِنْ حَمَلْتَهَا أُجِرْتَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا عُذِّبْتَ، قَالَ: فَأَنَا أَحْمِلُهَا بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْأُولَى إِلَى الْعَصْرِ حَتَّى أَخْرَجَهُ الشَّيْطَانُ مِنْهَا "

يقول القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي المعروف بقاضي المارستان : كنت مجاورا بمكة- حرسها الله تعالى- فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا، فأخذته وجئت إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار، وهو يقول: هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس، فقلت له: تعال إليّ ، وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ، وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه.

فسلّم إليّ خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بد أن تأخذ، وألح عليّ كثيرا، فلم أقبل، فتركني ومضى، وخرجت من مكّة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدّة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق أحد إلّا جاءني وقال: علمني القرآن، فحصل لي منهم شيء كثير من المال. ثم رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها، فقالوا: تحسن تكتب؟ فقلت: نعم، فقالوا: علمنا الخطّ، وجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، وكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لا بد، والزموني، فأجبتهم فلما زفوها مددت عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلّا النظر إليه، فقالوا: يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي ردّ عليّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي، والآن قد حصلت، فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين. ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار، وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال.

يا رب فرج همومنا

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ــــــــــــ

الاعتبار – أسأمة بن المنقذ(ص: 178)

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (5/ 267)

شذرات الذهب في أخبار من ذهب - ابن العماد العَكري (6/ 179)

تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (1/ 473)

 

 

الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَارَسْتَانِ توفي عَنْ نَيِّفٍ وَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَهُ الْإِسْنَادُ الْعَالِي فِي الْحَدِيثِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْمَنْطِقِ، وَالْحِسَابِ، وَالْهَيْئَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ فِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ الْعُشَارِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرَهِمْ. وهو من ولد كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلّفوا. كان إماما عالما. وكان إذا سئل عن مولده يقول: أقبلوا على شأنكم، لا ينبغى لأحد أن يخبر [عن] مولده، إن كان صغيرا يستحقرونه، وإن كان كبيرا يستهرمونه. وكان ينشد:

لى مدّة لا بدّ أبلغها ... فإذا انقضت وتصرّمت متّ

لو عاندتنى الأسد ضارية ... ما ضرّ بى ما لم يجى الوقت

 

المعريون واستخدام كلمة ( إللي )

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

المعريون واستخدام كلمة ( إللي )

استخدام كلمة – إللي – وهي من المفردات العامية واستخدامها لا يقتصر على مدينة المعرة بل هو شائع في بلاد الشام وحتى مصر و«إللي» اسم موصول ويكتفون بها عن كل اسم موصول آخر فهي للمفرد المذكر والمفرد المؤنث والمثني المؤنث وجمع الذكور وجمع الإناث والعاقل وغير العاقل، فلو بحثت عن اسم موصول في العامية لن تجد سوى «إللي». وقد كثر استعمال هذه الكلمة ، وكثر ورود الأمثال التي بُدِئَتْ بها، ومن ذلك قولهم: «إللي أوله شرط آخره نور» يقال للحض على حصول الاتفاق قبل البدء في العمل حتى لا يحصل خلاف بعد، «إللي أكل لحمتها بدو ياكل عضمتها» يقال بمعنى أن من له فائدة الشيء عليه أن يتحمل متاعبه، ومثل ذلك قول أهل الجرائم إللي بيحلب الغنم عليه يسرحها. إللي اختشوا ماتوا يقال للدلالة على فساد الزمان، وأنه لم يبق من الناس إلا مَن قَلَّ حياؤه. «إللي تزرعه بتحصده » يعنون أن نتيجة عملك من جنس عملك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومن يزرع الشر بيحصد الندامة . «إللي تسْكر فيه بتفطر فيه ، يقال تبكيتا للرجل ينفق ماله في الترف والفخفخة وما يضر، على أنه محتاج إلى ما هو ضروري. إللي تصاحبه لا تقابحه يقال للحث على حسن السلوك مع من تكون الضرورة  داعية إلى معاشرته كجار في المسكن أو شريك في العمل أو نحو ذلك. إللي تشوفه راكب على عصا قول له مبارك الحصان يراد به مجاراة كل إنسان على قدر عقله ومسايرة كل أحد على هواه. إللي بتملكه الإيد بتزهده النفس» يقال للدلالة على أن النفس تزهد ما ألفت وملكت وتطمع فيما منعت قال الشيخ محي الدين بن عربي :

وقد جرى مثلٌ يدري وصورته    ..   أحبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما منعا

وكذلك : إللي تغلب به العب به يقال للحض على استعمال وسائل الغلبة أيا كانت شريفة أو غير شريفة. وإللي مصرتو حرام ليعرف باب المحكمة» يمثل عقيدة الناس في المحاكم والتقاضي وأن الدخول في القضايا يُفقر . أشو بدك تحصل منو إللي هوي مشحر .

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

الخميس، 18 سبتمبر 2025

المعرة ومن الذاكرة

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي
المعرة ومن الذاكرة
في أواسط الستينات من القرن الماضي بدأت ظاهرة الدراجات النارية بالظهور من أنواعها نوع miel إنكليزية الصنع ومن ثم ظهر المشلس وكان له دور بارز في النقل بين الريف والمدينة وأذكر هنا محمد الحفيان من المعرة وقصي اليوسف من دير الشرقي رحمهما الله . أما على الصعيد الشخصي فلا يتعدى العدد أصابع اليد موتور اطلق عليه في المعرة اسم الصاروخ لونه أزرق لصاحبه أسعد بن محمد سعدو الداي رحمهم الله والكثير منا يعرفه وهو معلق اعلا محلات آل قزيز في شارع الكورنيش وآخر من نوع مييل لحسن محمد الحرامي رحمه الله
الدراجة الهوائية كانت منتشرة وكانت بحاجة للترخيص من بلدية المعرة وكان لدي دراجة صغيرة نشرت صورتها وكانت من حيث الحجم الأقدم في المدينة
ونتيجة للفقر كنت ترى الدراجات دون رفراف أمامي حيث كان الراكب يستخدم قدمه التي ثبت عليها قطعة جلد لدولاب سيارة وبالضغط تخف سرعة الدارجة لتوفير استخدام الكوابح




الأسئلة التي لا فائدة منها وما أكثرها ! من كتاب الله والسنة المطهرة وحياة السلف نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

الأسئلة التي لا فائدة منها وما أكثرها !

من كتاب الله والسنة المطهرة وحياة السلف نتعلم

وتواجه أحدهم ليسألك أين كنت ؟ وماذا كنت تفعل ؟ وما هي أخبارك ؟ كم هو عمرك ؟ برأيك إذا مات رجل على ظهر القمر كيف يبعث ؟ والسؤال الذي تستغربه : أشو في أشو مافي ؟ والمقصود بالسؤال هنا أن تسرد للسائل تفاصيل لا شأن له فيها . وما يتبادر للذهن ما الفائدة من السؤال ؟ وربما ترتب عن الإجابة ضرر . في حين أن النهي عن ذلك ورد في القرآن والسنة المطهرة قال تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {سورة المائدة:101. قال الإمام ابن كثير رحمه الله : أَيْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا بَعْدَ نُزُولِهَا تُبَيَّنُ لَكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوا عَنِ الشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُحَرَّمَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . وفي صحيح البخاري : عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ "

الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَارَسْتَانِ وكان إذا سئل عن مولده يقول: أقبلوا على شأنكم، لا ينبغى لأحد أن يخبر عن مولده، إن كان صغيرا يستحقرونه، وإن كان كبيرا يستهرمونه. وكان ينشد:

لي مدّة لا بدّ أبلغها ... فإذا انقضت وتصرّمت متّ

لو عاندتنى الأسد ضارية ... ما ضرّ بى ما لم يجى الوقت

ــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيح البخاري (3/ 120)

تفسير ابن كثير (1/ 262)

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة – ابن تغري(5/ 267)

 

أفقه نساء الأرض السَّيِّدةعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

أفقه نساء الأرض

السَّيِّدةعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا

عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وهي أفقه نساء الأمة ومناقبها جمة عاشت خمسا وستين سنة توفيت 58 ودفنت بالبقيع رضي الله تعالى عنها  (9 ق هـ - 58 هـ = 613 - 678 م) . قال الإمام الذهبي رحمه الله عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، من قريش: أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب. كانت تكنى بأم عبد الله. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة، فكانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه. ولها خطب ومواقف. وما كان يحدث لها أمر إلا أنشدت فيه شعرا. وكان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض فتجيبهم. وكان (مسروق) إذا روى عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق.

رَوَتْ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عِلْماً كَثِيْراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيْهِ. وَعَنْ أَبِيْهَا وَعَنْ عُمَرَ وَفَاطِمَةَ وَسَعْدٍ وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأسلمي وجدامة بنت وهب. ولم يكن دور عائشة الفقهي مقتصرا على الإفتاء والتحديث بالسنن فحسب؛ بل كانت تناظر الصحابة ‏وتستدرك على فتاوى كبارهم مثل أبيها أبي بكر الصديق وعمر الفاروق؛ وقد جمع العلامة بدر ‏الدين الزركشي (ت 794هـ) استدراكاتها على الصحب الكرام في سفر ممتع بعنوان: "الإجابة ‏لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة"‏. كما خرَّجت مفتياتٍ مارسن الإفتاء بعدها، ‏وأخذ عنها الفقه والعلم خلق كثير بعضه من نساء أهل بيتها مثل: أختها أم كلثوم ‏وبنت أخيها عبد الرحمن وحفصة.

ــــــــــــ

الكاشف – الإمام الذهبي (2/ 513)

سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي(3/ 426)

الأعلام للزركلي (3/ 240)

 

 

إذا ظهرَ الغدرُ سهُل الهجرُ

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

إذا ظهرَ الغدرُ سهُل الهجرُ

الزمن من صفاته عدم استقرار الأحوال وتغيرها بشكل سلبي ، حيث يواجه الإنسان مصاعب ومفاجآت غير متوقعة في حياته حالة تغير مستمر، وأن هذا التغير قد يكون قاسيًا وغير عادل، مما يؤدي إلى وقوع أحداث سلبية أو غير متوقعة في حياة الأفرادوما أكثر التذمّر من غدْر الناس والزمان. وهو العلة في سهولة الهجر وسبيل من السبل التي تدفع للانتقام والنَّفس الحرَّة لا تعبأ بمن غدر بها ولا تستصلحه بمعاتبةٍ ولا ترصده بمعاقبةٍ بل تخلِّي فكرها عن ذكره وتصون خواطرها عن الخوض في أمره. وعن أبان بن تغلب قال: مررت بامرأة ، وبين يديها ابن لها يريد سفرا وهي توصيه فقالت: إجلس امنحك وصيّتي وبالله توفيقك، وقليل إجدائها عليك أنفع من كثير عقلك: إياك والنمائم، فإنها تزرع الضغائن، ولا تجعل نفسك غرضا للرماة، فإن الهدف إذا رمي لم يلبث أن ينثلم، ومثّل لنفسك مثالا فما استحسنته من غيرك فاعمل به، وما كرهته منه فدعه واجتنبه، ومن كانت مودته بشّره كان كالريح في تصرفها. ثم نظرت فقالت: كأنك يا عراقي أعجبت بكلام أهل البدو؟ ثم قالت لابنها: إذا هززت فهزّ كريما، فإن الكريم يهتز لهزتك. وإياك واللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها، وإياك والغدر فإنه أقبح ما تعومل به، وعليك بالوفاء ففيه النماء. وكن بمالك جوادا، وبدينك شحيحا. ومن أعطي السخاء والحلم فقد استجاد الحلة: ريطتها وسربالها! انهض على اسم الله.

وما أكثر قصص الغدر في أيام عافانا الله وحفظنا

البيان والتبيين (3/ 292)

الزهرة – خلف الأصبهاني (ص: 57)

 

ريطتها : وهي ملاءة ليست بذات لفقين - لِفْقَيْنِ أَيْ ليست من قِطْعَتَيْنِ

السِّربالُ: القميص

 

حين تمتحن ومن حياة السلف لنا مثل

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي
حين تمتحن
ومن حياة السلف لنا مثل
ما مر بنا من بلاء كان امتحانا لنا في أنفسنا وأهلينا وأموالنا ، ترى فهل فزنا أم أن المصاب وانشغلنا به أبعد نظرنا على أنه ابتلاء ، قالوا : "الممتحن"، هو المصفى المهذب، محنت الفضة- إذا صفيتها بالنار. أي المجرب . وقد روى السمرقندي أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَابِدٌ وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ جَمَالًا وَحُسْنًا، وَكَانَ يَعْمَلُ الْقِفَافَ بِيَدِهِ فَيَبِيعَهَا، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِبَابِ الْمَلِكِ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ لِامْرَأَةِ الْمَلِكِ، فَدَخَلَتْ إِلَيْهَا وَقَالَتْ لَهَا: هَهُنَا رَجُلٌ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ يَطُوفُ بِالْقِفَافِ قَالَتْ: أَدْخِلِيهِ عَلَيَّ فَأَدْخَلَتْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهَا فَقَالَتْ لَهُ: اطْرَحْ هَذِهِ الْقِفَافَ وَخُذْ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ، وَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا: هَاتِ الدُّهْنَ يَا جَارِيَةُ وَهَاتِ الطِّيبَ فَنَقْضِيَ مِنْهُ حَاجَتَنَا وَيَقْضِيَهَا مِنَّا وَقَالَتْ: نُغْنِيكَ عَنْ بَيْعِ هَذَا فَقَالَ: مَا أُرِيدُ ذَلِكَ مِرَارًا. قَالَتْ: وَإِنْ لَمْ تُرِدْ فَإِنَّكَ غَيْرُ خَارِجٍ حَتَّى نَقْضِيَ حَاجَتَنَا مِنْكَ وَأَمَرَتْ بِالْأَبْوَابِ فَأُغْلِقَتْ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: هَلْ فَوْقَ قَصْرِكُمْ هَذَا مَوْضِعٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَتْ: يَا جَارِيَةُ ارْقَيْ بِوُضُوئِهِ فَلَمَّا رَقِيَ جَاءَ إِلَى نَاحِيَةِ السَّطْحِ فَرَأَى قَصْرًا مُرْتَفِعًا وَلَا شَيْءَ يَتَعَلَّقُ بِهِ لِيُرْسِلَ نَفْسَهُ مِنَ السَّطْحِ، فَأَخَذَ يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ: يَا نَفْسُ أَنْتِ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً تَطْلُبِينَ رِضَا الرَّبِّ الْكَرِيمِ، حَرِيصَةٌ عَلَيْهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ جَاءَتْكِ عَشِيَّةٌ وَاحِدَةٌ تُفْسِدُ عَلَيْكِ هَذَا كُلَّهُ، إِنَّكِ وَاللَّهِ لَخَائِنَةٌ إِنْ جَاءَتْكِ هَذِهِ الْعَشِيَّةُ، وَأَفْسَدَتْ عَلَيْكِ عَمَلَكِ، فَتَلْقَيِ اللَّهَ بِبَقِيَّةِ عَمَلِكِ، فَجَعَلَ يُعَاتِبُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِيُلْقِيَ نَفْسَهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ. قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: عَبْدِي يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فِرَارًا مِنْ سَخَطِي وَمَعْصِيَتِي، فَتَلَقَّهُ بِجَنَاحِكَ لَا يُصِيبُهُ مَكْرُوهٌ، فَبَسَطَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَنَاحَهُ فَأَخَذَهُ بِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ، كَمَا يَضَعُ الْوَالِدُ الرَّحِيمُ وَلَدَهُ قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ وَتَرَكَ الْقِفَافَ، وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ ثَمَنُ الْقِفَافِ؟ فَقَالَ لَهَا: مَا أَصَبْتُ لَهَا ثَمَنًا، فَقَالَتْ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ نُفْطِرُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَصْبِرُ لَيْلَتَنَا هَذِهِ ثُمَّ قَالَ: قُومِي فَاسْجُرِي تَنُّورَكِ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنَّ جِيرَانَنَا إِذَا لَمْ يَرَوْنَا نَسْجُرُ التَّنُّورَ اشْتَغَلَتْ قُلُوبُهُمْ بِنَا فَقَامَتْ فَسَجَرَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَقَعَدَتْ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ جِيرَانِهَا فَقَالَتْ: يَا فُلَانَةُ هَلْ عِنْدَكِ وَقُودٌ؟ قَالَتْ: نَعَمِ ادْخُلِي فَخُذِي مِنَ التَّنُّورِ، فَدَخَلَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ فَقَالَتْ: يَا فُلَانَةُ مَالِي أَرَاكِ جَالِسَةً تَتَحَدَّثِينَ مَعَ فُلَانٍ وَقَدْ نَضَجَ خُبْزُكِ فِي التَّنُّورِ، وَيَكَادُ أَنْ يَحْتَرِقَ فَقَامَتْ فَإِذَا التَّنُّورُ مَحْشُوٌّ خُبْزًا نَقِيًّا فَجَعَلَتْهُ فِي جَفْنَةٍ، ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى الزَّوْجِ فَقَالَتْ لَهُ إِنَّ رَبَّكَ لَمْ يَصْنَعْ بِكَ هَذَا إِلَّا وَأَنْتَ عَلَيْهِ كَرِيمٌ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْنَا بَقِيَّةَ عُمْرِنَا فَقَالَ لَهَا تَصَبَّرِي عَلَى هَذَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ: نَعَمْ أَفْعَلُ، فَقَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ زَوْجَتِي سَأَلَتْنِي فَأَعْطِهَا مَا تَتَوَسَّعُ بِهِ فِي بَقِيَّةِ عُمْرِهَا، فَانْفَرَجَ السَّقْفُ فَنَزَلَتْ إِلَيْهِ كَفٌّ عَلَيْهِ يَاقُوتَةٌ أَضَاءَ لَهَا الْبَيْتُ، كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ فَغَمَزَ رِجْلَهَا وَكَانَتْ نَائِمَةً قَرِيبَةً مِنْهُ، فَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي وَخُذِي مَا سَأَلْتِ فَقَالَتْ: لَا تَعْجَلْ أَلِهَذَا أَيْقَظْتَنِي قَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى كَرَاسِيِّ مَصْفُوفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ فِيهَا ثُلْمَةٌ فَقَالَتْ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا مَجْلِسُ زَوْجِكِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الثُّلْمَةُ؟ قَالُوا: مَا تَعَجَّلَ بِهِ زَوْجُكِ فَقُلْتُ: مَا لِي حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ يَثْلِمُ عَلَيْكَ مَجْلِسَكَ ادْعُ رَبَّكَ فَدَعَا رَبَّهُ فَرَجَعَ الْكَفُّ
يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا
يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 614)

الأربعاء، 20 أغسطس 2025

حين تتحدث عن التاريخ فأنت تتحدث عن المكان المكان والحدث التاريخي أمران متلازمان لا ينفكان


صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

حين تتحدث عن التاريخ فأنت تتحدث عن المكان

المكان والحدث التاريخي أمران متلازمان لا ينفكان

من غزوة بدر وأحد والخندق ومعركة اليرموك والغزو الصليبي لمعرة النعمان لنا مثل

ففي معركة بدر كان للمكان دوره في مجريات المعركة فقد روى أصحاب السير أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ، وَلَا نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟

قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ، فَسَارَ حَتَّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ، فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ. وفي معركة أحد كذلك كان دوره من حيث اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للمكان واجبار قريش على ذلك ليكون للمكان دوره في مجريات المعركة وكلنا يعلم قصة التل حيث أمر الني صلى الله عليه وسلم بحماية ظهر المسلمين . في غزوة الخندق كان للمكان دوره في صد الأحزاب عن المدينة المنورة .

في معركة اليرموك استطاع سيدنا خالد بن الوليد أن يجبر جيش الروم لكي يكون ظهر جيشهم لوادي اليرموك ليقطع خطوط الإمداد عنهم . في حين كان ظهر الجيش الإسلامي باتجاه الجزيرة العربية حتى لا تنقطع خطوط الإمداد عن جيش سيدنا خالد رضي الله عنه

أيام الغزو الصليبي كان اختيار الفرنجة الانتقال بعد احتلال أنطاكبة إلى البارة فمعرة النعمان فبيت المقدس وكان لهذا الخيار المكاني أثر واضح في تمدد السيطرة على أجزاء واسعة من بلاد الشام

سيرة ابن هشام (1/ 620)







 





الجمعة، 1 أغسطس 2025

لأسئلة التي لا فائدة منها وما أكثرها ! من كتاب الله والسنة المطهرة وحياة السلف نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

الأسئلة التي لا فائدة منها وما أكثرها !

من كتاب الله والسنة المطهرة وحياة السلف نتعلم

وتواجه أحدهم ليسألك أين كنت ؟ وماذا كنت تفعل ؟ وما هي أخبارك ؟ كم هو عمرك ؟ برأيك إذا مات رجل على ظهر القمر كيف يبعث ؟ والسؤال الذي تستغربه : أشو في أشو مافي ؟ والمقصود بالسؤال هنا أن تسرد للسائل تفاصيل لا شأن له فيها . وما يتبادر للذهن ما الفائدة من السؤال ؟ وربما ترتب عن الإجابة ضرر . في حين أن النهي عن ذلك ورد في القرآن والسنة المطهرة قال تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {سورة المائدة:101. قال الإمام ابن كثير رحمه الله : أَيْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا بَعْدَ نُزُولِهَا تُبَيَّنُ لَكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوا عَنِ الشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُحَرَّمَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . وفي صحيح البخاري : عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ "

الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَارَسْتَانِ وكان إذا سئل عن مولده يقول: أقبلوا على شأنكم، لا ينبغى لأحد أن يخبر عن مولده، إن كان صغيرا يستحقرونه، وإن كان كبيرا يستهرمونه. وكان ينشد:

لي مدّة لا بدّ أبلغها ... فإذا انقضت وتصرّمت متّ

لو عاندتنى الأسد ضارية ... ما ضرّ بى ما لم يجى الوقت

ــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيح البخاري (3/ 120)

تفسير ابن كثير (1/ 262)

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة – ابن تغري(5/ 267)

 


الجمعة، 11 يوليو 2025

أريد أن ألقاها في الآخرة ومن يدري ما خبأه الغيب ؟ ومن حياة السلف نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي

أريد أن ألقاها في الآخرة

ومن يدري ما خبأه الغيب ؟ ومن حياة السلف نتعلم

كثر من يحلم بالخير مجرد حلم واعتقاده أنه لا بد حاصل وهو أمر فيه استعجال وقد قيل في المثل العربي : العَجَلَةُ فُرْصَةُ العَجَزَةِ ، ومِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في غَدٍ، ولَا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في الأرْحَامِ، ولَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وما تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وما يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ.

ذكر علىّ بن عبيد الله الزعفراني يحكى أن رجلا اجتاز بباب امرأة نصرانية، فرآها فهويها من وقته، وزاد الأمر به حتّى غلب على عقله، فحمل إلى البيمارستان. وكان له صديق يتردّد إليه ويترسّل بينه وبينها. ثم زاد الأمر به، فقالت أمّه لصديقه: إني أجيء إليه فلا يكلمني، فقال: تعالى معي، فأتت معه. فقال له: إن صاحبتك بعثت إليك رسالة، قال: كيف؟ قلت:

هذه أمك تؤدّى رسالتها. فجعلت أمه تحدّثه عنها بشىء من الكذب. ثم زاد الأمر عليه ونزل به الموت، فقال لصديقه: قد جاء الأجل وحان الوقت وما لقيت صاحبتي في الدّنيا، وأنا أريد أن ألقاها في الآخرة. فقال له: كيف تصنع؟ قال: أرجع عن دين محمد، وأقول عيسى ومريم والصليب الأعظم. فقال ذلك ومات. فمضى صديقه إلى تلك المرأة فوجدها عليلة فجعل يحدّثها، وأخبرها بموت صاحبها، فقالت: أنا ما لقيته في الدّنيا وأنا أريد أن ألقاه في الآخرة. وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنا بريئة من دين النصرانية. فقام أبوها فقال للرجل: خذوها الآن فإنها منكم، فقام الرجل ليخرج، فقال له: قف ساعة؛ فوقف، فما لبث أن ماتت.

اللهم نسألك حسن الختام

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ــــــــــــــــــــ

نهاية الأرب في فنون الأدب – النويري (2/ 174)

مجمع الأمثال - الميداني (2/ 37)

الثلاثاء، 4 فبراير 2025

من حلم سيدنا معاوية رضي الله عنه لما جاء نعي معاوية إلى ابن عباس،

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي

من حلم سيدنا معاوية رضي الله عنه

لما جاء نعي معاوية إلى ابن عباس، والمائدة بين يديه، فقال لغلامه: ارفع ارفع. ثم قال: اللهم أنت أوسع لمعاوية، ثم قال: خيرٌ ممن يكون بعده، وشر ممن كان قبله؛ ثم قال:

جبلٌ تزعزع ثم مال بجمعه ... في البحر لا رَتقَت عليك الأبحر

وقال عبد الله بن الزبير، وهو يخطب، وذكر معاوية فقال: رحم الله ابن هندٍ، لوددت أنه بقي ما بقي من أبي قبيسٍ حجرٌ، على مثل ما فارقنا عليه، كان -والله- كما قال بطحاء العذري:

ركوب المنابر ذو هيبةٍ ... معن بخطبته مجهر

تثوب إليه هوادي الكلام ... إذا ضل خطبته المهمر  ..... مِهْمَرٌ: إذا كان يَنْهَمِرُ بالْكلام

وعن ابن عمر، قال: ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية.

حلم معاوية لابن أبي الدنيا (ص: 21)

الاثنين، 3 فبراير 2025

كلمة ومعنى الخديوي - الجلبي

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

كلمة ومعنى الخديوي - الجلبي

الخديوي من التركية خديوي عن الفارسية خديو، تلفظ واوها فاء بمعنى: الملك، الأمير، الوزير. وفي دائرة المعارف الإسلامية) وفي محلة الضياء السنة السابعة ص ٤٦٩: أصلها خديو ، فتحرفت على ألسنة العامة إلى لفظ المصغر، وأكثرهم وفي ((الرائد)): الخديوي والخديوية: منصب الخديوي، وهو مشتق من خدا الله في الفارسية. وفي الألمانية 0017، وفي الدانمركية: OUD. وأحدثت الحكومة العثمانية هذا اللقب العزيز مصر إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا في النصف الثاني من القرن ١٣ للهجرة. وسبب هذا أن إسماعيل باشا حرص على أن يقترن اسمه بلقب أرفع من لقب باشا، فعرض في المفاوضات التمهيدية الخاصة أن يلقب بالعزيز، لكن وجود هذه الكلمة في اسم السلطان نفسه العبد العزيز  رجحت اختيار لقب ((خديوي))، ثم لزمت من بعده حتى الملك فؤاد. 

الجلبي

من التركية جلبي اللطيف الناعم، الأديب، السيد، الجميل. وفي مجلة الهلال: س . ص ٦١٥: أصل جلبي الصليب في السريانية إلى أن غدت بمعنى الشريف حسباً ونسباً، وأخيراً صارت بمعنى: جنتيمنت نقول: صوابها : GENTLEMAN) .

وباني متحف المعرة هو مراد جلبي

ــــــــــــ

محيط المحيط بطرس البستاني

موسوعة حلب المقارنة - خير الدين الأسدي

تكملة المعاجم العربية (6/ 345)

الخميس، 30 يناير 2025

شَذَرَات مِنْ حَيَاةِ الِإمَامُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سيدنا الإمام الشافعي صلى بالمسلمين صلاة الصبح

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

شَذَرَات مِنْ حَيَاةِ الِإمَامُ  مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه

سيدنا الإمام الشافعي صلى بالمسلمين صلاة الصبح فلما انتهى من الصلاة اقترب منه رجل فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فقال له: كيف حال رجل وكتاب الله شاهد عليه، وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم تأمره بالمتابعة، والشيطان يحثه على الشهوات، والعيال يشغلونه بالقوت، والنفس تمنيه وتشجعه على طول الأمل؟ فمن حقق هذه الأمور أيقن أن الله عز وجل سوف يأخذه على حين غرة، ولذلك لما مات الشافعي رحمه الله رآه تلميذه الوراق في الرؤيا فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فبكى الشافعي وقال: حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي (8/ 2)



الأربعاء، 29 يناير 2025

جوزيف بيتس أول بريطاني يزور مكة المكرمة عام 1091هـ/1680م حج مكرها ولم يدخل الإسلام

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي

جوزيف بيتس أول بريطاني يزور مكة المكرمة عام  1091هـ/1680م

حج مكرها ولم يدخل الإسلام
كان (بيتس) أول بريطاني وثاني أوربي يزور (مكة المكرمة) في التاريخ الحديث, وقد قدم لأبناء جلدته من الأوربيين معلومات مهمة كانوا يجهلونها عن مدينتي مكة والمدينة المنورة, وقوافل الحج وشعائره, على جانب كبير من الصواب! وهو أيضًا أول من وصف طريق الحج - البري والبحري - من بلاد المغرب مرورًا بمصر.

يقول الرحالة الإنجليزي الأشهر (ريتشارد بيرتون) إن ذكاء بيتس وحبّه للمغامرة والتطلع إلى مزيد من المعرفة دفعه إلى مغادرة إنجلترا عام 1678 وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره, وعمل بحارا على إحدى السفن, وكان حوض البحر المتوسط يشتعل بحروب (الجهاد البحري) التي كان يشنها المسلمون المطرودون من الأندلس وبعض من البربر والأتراك, وفي ظل هذه الظروف وقع بيتس أسيرًا في يد أحد الجزائريين الذي قرر أن يجعل منه مسلمًا, ورافق سيده الجزائري في رحلته إلى الأماكن المقدسة, سالكين طريقا بحريا إلى الإسكندرية فرشيد, ثم أبحرا في النيل إلى القاهرة, ثم برا إلى السويس ومنها إلى الطور ثم رابغ على الساحل الشرقي للبحر الأحمر, وفي جدة استقبلهما المطوفون واصطحبوهما إلى مكة المكرمة.

وبعد أدائه لفريضة الحج, أعتقه سيده واعتبره بمنزلة ابن له, وكتب له ما يفيد عتقه, وعاد بيتس - باختياره - إلى الجزائر وعاش مع سيده السابق سنوات طويلة قبل أن يفكر في الهرب, وهذه المدة الطويلة كانت كافية - فيما يقول الرحالة العالم ريتشارد بيرتون - كي تجعله ملما بكثير من المعلومات عن المسلمين وعن أحوال البلاد التي رآها - بالرغم من أنه لم يحظ بقسط كاف من التعليم, فكتاباته - فيما يقول بيرتون - تخلو من الأحكام المسبقة والتعصب والميل للخرافة, كما أنه ليس ساذجًا - رغم صغر سنه! ويشير (بيرتون) إلى أن بيتس قد سعى للعثور على وسيلة تمكنه من مغادرة البلاد, فانخرط في سلك الجندية, وأصبح من أفراد كوكبة الخيالة التي أرسلها السلطان العثماني إلى الجزائر, وبعد طول تردد تمكن بيتس من الفرار إلى أزمير, وعاش فترة من العناء في تركيا, حتى أنه فكر في العودة إلى الجزائر, وأن يحيا بها كمسلم بقية عمره, إلى أن أعانه أحد التجار الإنجليز بأربعة جنيهات استرلينية مكّنته من السفر إلى (جنوة) على سفينة فرنسية, ولما وصل إلى هناك سجد لله شكرا على عودته لأرضه المسيحية! ثم جاب إيطاليا وألمانيا وهولندا, وعندما عاد إلى إنجلترا واجه بعض المتاعب, حتى أنه ندم على مغادرته للجزائر, إلى أن استقامت أموره بعد ذلك. وقد تميز بيتس بدقة التفاصيل ووصف الأشياء دون تنميق وبموضوعية تامة, وبعمق في فهم العقلية الدينية للحجاج في إطار من الاحترام الكامل, بالرغم من أنه لم يؤمن بما يؤمنون! كان جوزيف بيتس أول أوربي يتحدث عن قوافل الحج - الأربعة - ومكانة أمير الحج, والظواهر التي تميز كل قافلة والطرق التي تسلكها, فيقول: وهناك أربع قوافل حج تصل لمكة قادمة من غرب العالم الإسلامي, من فاس ومراكش, حيث يتجمع الحجاج في هذه القافلة ويلتحقون بها من سائر بلاد المغرب, وهي قافلة برية في الأساس, وعندما يصل الحجاج لمصر يدبرون أمر وصولهم إلى مكة المكرمة والعودة لمصر مرة أخرى. ويصدر أمير الحج أمرا للقافلة بالتوقف في كل مدينة يمر بها ليتيح الفرصة لمن يرغب للالتحاق بالقافلة, ويستقبل أهل المدن التي تتوقف عندها القافلة أمير الحج ببهجة بالغة لمكانته الدينية, فسعيد هو مَن يستطيع تقبيل يده, فإن لم يستطع فعباءته, ويمضي أمير الحج في موكب فاخر تصحبه الأعلام والطبول, ليس هذا فحسب, بل إن النسوة يتزاحمن فوق أسطح المنازل التي يمر أمامها موكب أمير الحج لرؤية المشهد البهيج, وتضع الواحدة منهن أربعة من أصابعها على شفتيها برقة ثم تزغرد في مرح وبهجة.

أما قافلة الحج الثانية فتنطلق من (ميسير - Misseer), ومن الواضح أنه يقصد (مصر) وقد كتبها وفقا لنطق الحجاج المغاربة الذين صحبهم, ويلتحق بهذه القافلة جمع كبير جدا من الحجاج, لأنها أفضل تسليحا, وبالتالي فإن الحجاج الملتحقين بها يكونون في وضع أكثر أمنا, بالإضافة إلى أن هذه القافلة أكثر مدعاة للسرور, لأنها منظمة ويعرف كل فرد فيها مكانه, فليس ثمة عراك أو مشاكل البتة أثناء الطريق لمحاولة فرد أو جماعة إحراز السبق أو التقدم, وتحمل هذه القافلة معها كسوة الكعبة. والقافلة الثالثة تسمى قافلة الشام وتضم الحجاج القادمين من تتاريا وما حولها وتركيا والأناضول وأرض كنعان, وتصل هذه القافلة للديار المقدسة دون المرور في مصر. والقافلة الرابعة هي قافلة الهند وتنطلق من جزر الهند الشرقية East Indies وتحمل معها بضائع قيمة ومختارة يشتري منها الحجاج من مختلف الأجناس في مكة. وتصل هذه القوافل الأربع إلى مكة في وقت واحد تقريبا, فلا يفصل بين وصولها إلا ثلاثة أيام أو أربعة, فلابد أن تصل هذه القوافل جميعا قبل عيد القربان, أو كما يقول الترك عيد البيرام (Arabic Quarban and Turkish bairam) وهو عيد الأضحى - بستة أيام أو سبعة. وبمجرد وصولنا إلى مكة, سار بنا الدليل في شارع واسع يتوسط البلدة ويؤدي إلى الحرم, وبعد أن أنخنا الجمال, وجهنا الدليل إلى حوض الماء للوضوء, ومن ثم ذهب بنا إلى الحرم فدخلناه من باب السلام (وقد تركنا أحذيتنا عند شخص موكل بها قبل الدخول), وبعد اجتيازنا مدخلا استغرق اجتيازه خطوات قليلة وقف الدليل (المطوف) ورفع يديه صوب بيت الله الواقع وسط المسجد الحرام, وحذا الحجاج حذوه ورددوا وراءه الكلمات التي يقولها. وعندما وقع نظر الحجاج للمرة الأولى على الكعبة فاضت عيونهم بالدموع ثم طفنا بالكعبة سبعة أشواط, ثم صلينا ركعتين, ثم قادنا الدليل للطريق مرة أخرى, ورحنا نهرول وراءه تارة, ونمشي تارة أخرى من أحد طرفي الطريق إلى طرفه الآخر (يقصد السعي بين الصفا والمروة). ولا أملك إلا أن أعجب من هؤلاء الحجاج الذين يبدو عليهم التأثر الشديد والعاطفة الجياشة, وهم يؤدون هذه المناسك... ولم أستطع إلا بالكاد أن أكبح دموعي من الانهمار عند رؤية حماسهم...!

وصف المسجد الحرام

وبعد أن تحدث بيتس عن مكة المكرمة: موقعها وسمات أهلها والأساطير التي تروج عن جبالها, وفاكهتها ومناخها... قدم بيتس بعض المعلومات عن الكعبة والمسجد الحرام, ويشير إلى أن عدد أبوابه نحو 42 بابا, يغلق بعضها أحيانا. ويضيف بيتس: وهو قريب الشبه من دار المقاصة Royal Exchange في لندن. لكنه (أي المسجد الحرام) أوسع منه بعشر مرات. وكل أبوابه تفضي لممرات مغطاة بالحصى ما عدا بعض الممرات التي رصفت بأحجار عريضة, وهي الممرات المؤدية للكعبة المشرفة والأروقة المحيطة بالصحن - حيث الكعبة المشرفة - مرصوفة بأحجار عريضة جميلة, ولها عقود (مقنطرة) وعلى الجدران الداخلية للأروقة توجد غرف صغيرة تدور مدار كل الأروقة, وقد أعدت هذه الغرف الصغيرة (الخلوات) للذين وهبوا حياتهم للقراءة والدراسة والتعبد, وهذه الطائفة تشبه إلى حد كبير طائفة الدراويش.

والكعبة القائمة وسط المسجد الحرام مبنى مكعب يبلغ ارتفاعه حوالي أربعة وعشرين قدما, ويبلغ طول كل ضلع من أضلاعها حوالي أربع وعشرين خطوة. والكعبة مشيدة من أحجار ضخام مصقولة, وليس بها أي عقود, وهي مغطاة بكسوة من حرير سميك, ومزخرفة من فوق وسطها بشريط من حروف من ذهب, ولا أذكر مضمون الكلمات المكتوبة بهذه الحروف, وإن كنت أظن أنها تشير إلى عبارات دينية, ويبلغ طول الحرف قدمين, أما عرضه فيبلغ بوصتين, وبالقرب من الطرف السفلي للكعبة توجد حلقات نحاسية مثبتة به تمر منها حبال قطيفة تربط بها الأطراف السفلية للكسوة, وعتبة باب الكعبة مرتفعة, بحيث لا يصل إليه من يريد الدخول, ومن هنا فثمة سلم متحرك يتم إحضاره لهذا الغرض (أي عند الرغبة في تمكين أحد من الدخول) وباب الكعبة مغطى كله بالفضة وثمة ستارة معلقة عليه تصل للأرض, وتظل هذه الستارة مرفوعة طوال أيام الأسبوع فيما عدا ليلة الثلاثاء, ويوم الجمعة وهو يوم تعبّدهم, وقد زينت ستارة الباب بزينات ذهبية ثقيلة, تزن حوالي عشرين رطلا, وسطح الكعبة مسطح من جير ورمل, وثمة ميزاب لتفريغ الماء من فوقه عند هطول المطر, وفي هذه الأثناء يجري الناس نحو الميزاب لينزل ماء الميزاب عليهم معتقدين أنه نفحة من السماء, ويسعدون سعادة فائقة إذا نزل ماء الميزاب عليهم, بل ويحاولون الشرب منه, وإن حدث ذلك غمرتهم السعادة, ويلجأ بعض الفقراء لجمعه وتقديم جزء منه للحجاج, لقاء منحة مالية!

داخل الكعبة

وخلال فترة مكوثه بمدينة مكة - نحو أربعة شهور - أتيح له أن يلج داخل الكعبة مرتين (وهو حظ سعيد لم يتح لآلاف الحجاج)...ويخصص يومان في الأسبوع لدخول الكعبة, يوم للرجال ويوم للنساء, وعن وصف داخل الكعبة وكيفية الصلاة فيها وعملية غسلها يقول بيتس: (عندما يدخل أي مسلم الكعبة, فإن عليه أن يصلي ركعتين, وهم يؤدون صلواتهم في جوف الكعبة بخضوع كامل واستغراق شديد, فهم لا ينشغلون بالتطلع والحملقة حولهم, لأنهم يعتبرون ذلك إثما, بل إنهم يقولون إن من يتطلع حوله في جوف الكعبة يصاب بالعمى لتطفله وحبه للاستطلاع, ولم أضع هذه الأقاويل في اعتباري, فرحت أنظر حولي غير واضع في اعتباري هذه المحاذير الأسطورية, فلم أر سوى عمودين خشبيين في الوسط لمساندة السقف وقضيبا حديديا مثبتا فيهما, علقت عليه ثلاثة مصابيح فضية أو أربعة, أعتقد أنه من النادر إضاءتها, وأرضية الكعبة (المشرفة) من رخام وكذلك الجدران الداخلية, وثمة كتابات على هذه الجدران الداخلية لم يكن لدي الوقت الكافي لقراءتها, ومع أن الجدران الداخلية مغطاة بالرخام فإنها مغطاة بالحرير على ارتفاع قامات الحجاج. ولا يمكث الحجاج في داخل الكعبة إلا لحظات قليلة, فنادرا ما يمكث أحد أكثر من ثُمن ساعة, لأن هناك آخرين ينتظرون دورهم للدخول, وبينما يخرج بعض الحجاج يدخل آخرون ليحلوا محلهم, وبعد أن ينتهي الجميع, فإن سلطان مكة (الشريف) لا يعتبر نفسه أهلا لتنظيف البيت, فيقوم بعض أتباعه بغسل الكعبة وتنظيفها, فيبدعون بغسلها بماء زمزم, ثم بماء عذب, ويتم إبعاد السلم المتحرك الذي يوضع للصعود إلى باب الكعبة, فيتزاحم الناس أسفل الباب ليتلقوا ماء غسيل الكعبة, أما المكانس التي ينظف بها بيت الله الحرام, فيتم تكسيرها إلى قطع صغيرة, وتنثر فوق الحجاج المتجمعين, ويحتفظ من يحصل على عصا صغيرة من هذه المقشات, بها كذكرى مقدسة!

موكب الكسوة الشريفة

ويشير بيتس إلى الكسوة الجديدة للكعبة التي تعد كل عام بالقاهرة, بأمر من السلطان العثماني, حيث ترسل محملة على جملين مع قافلة الحج المصرية, ولا يكلف هذان الجملان بأي عمل آخر طوال العام. ويصف مظاهر وداع واستقبال الكسوة وحرص الحجيج للحصول على قطع من الكسوة القديمة للتبرك بها, مهما غلا ثمنها! فيقول بيتس: (...ويتم إرسال الكسوة من مصر بفرح غامر ويتم استقبالها في مكة بفرح غامر أيضا, لدرجة أن كثيرين يبكون من الفرح, ويقوم بعض الناس بتقبيل كل جزء من الجملين حاملي الكسوة, وآخرون يرددون عبارات الترحيب ويلمسون الكسوة بأيديهم ثم يمسحون وجوههم, إنهم يفعلون ذلك وأكثر منه لإظهار مدى توقيرهم للكسوة, بالرغم من أنها لم توضع على الكعبة بعد, وهذا يبين لك مدى توقيرهم لبيت الله الحرام.

وعند نزع الكسوة القديمة يضع شريف مكة - بمساعدة آخرين - الكسوة الجديدة, ويأخذ الشريف الكسوة القديمة لتكون تحت تصرفه, فقد يخص بها نفسه فيقطعها قطعا يبيعها للحجاج الذين لا يبالون بما يدفعون لقاء الحصول على قطعة منها, إنهم شغوفون جدا بهذه الكسوة القديمة, فقطعة منها قد تساوي (سلطاني) Sultane وهو يوازي تسعة شلنات أو عشرة, ليس هذا فحسب, بل إن الحبل القطني الذي يربط به الجزء الأسفل من الكسوة, يقطع أيضا إلى قطع صغيرة ويتم بيعه. ويشتري كثيرون قطعا من الكسوة القديمة لوضعها فوق صدورهم عندما يوافيهم أجلهم, وهناك من يحملها معه دائما كتعويذة ضد الخطر, وأعتقد أن السلطان الشريف (يقصد شريف مكة) يجمع أموالا كثيرة من هذه الكسوة القديمة, تساوي ما تكلفه الكسوة الجديدة, بالرغم من أنهم يقولون إن العمل في الكسوة يستغرق عاما كاملا

ويذكر بيتس مزيدا من التفاصيل في وصف المسجد الحرام والطواف بالكعبة, وعن مقام إبراهيم وبئر زمزم فيقول:

وعلى بعد حوالي اثنتي عشرة خطوة من الكعبة, يوجد مقام إبراهيم  الذي بنى الكعبة - كما يقولون - بأمر من الله, ويحيط بهذا المقام شبكة حديدية وهي مغطاة بكسوة مزركشة جميلة, ويرنو الناس إلى هذا المقام بحب. وعلى مسافة قصيرة منه تجاه اليد اليسرى توجد بئر زمزم ويعتبرون ماءها مقدسا, ويقدرونه تقديرا فائقا. كما يقدس الكاثوليك ماءهم, , وفي شهر رمضان يفطرون به ويقولون إنه حلو كالحليب, أما بالنسبة لي, فلم أر أنه يختلف عن أي ماء آخر إلا أنه يميل إلى الملوحة شيئا ما. ويشرب منه الحجاج بكميات هائلة عند وصولهم إلى مكة أول مرة ليس فقط ليطهروا أنفسهم, وإنما لتنفض أجسامهم كل الخطايا وليخلصوا أرواحهم من كل الآثام. وفي شهر رمضان, يتم ملء مئات من أباريق المسجد الحرام بماء زمزم, وتوضع أمام الناس - ومعها أكواب - قبيل أذان المغرب, وفور أن يؤذن المؤذن من فوق المئذنة - يشربون من هذا الماء بنهم قبل أداء الصلاة. وتوجد بئر زمزم وسط غرفة من الغرف الصغيرة القائمة إزاء كل جانب من جوانب الكعبة, وتبعد عنها حوالي اثنتي عشرة خطوة أو أربع عشرة خطوة, ويقف عند البئر أربعة رجال لسحب الماء منها دون مقابل, ويستخدم كل رجل من هؤلاء قربتين من جلد مربوطتين بحبل إلى عجلة صغيرة, وبينما تدور العجلة ترتفع قربة مملوءة وتهبط قربة فارغة لتملأ من جديد. والمسلمون لا يشربون من هذا الماء فقط بل إنهم - أحيانا - يستحمون به بعد أن يخلع الواحد منهم ملابسه ما عدا قطعة قماش رقيقة يغطي بها نصفه الأسفل, ويقوم ساحبو الماء بإفراغ خمسة أوان (جرادل) أو ستة فوق رأسه, ويجوز من الناحية الشرعية أن يغسل المرء نصفه العلوي بماء زمزم, ولا يجوز غسل نصفه السفلي به, فهذا لا يليق, فبعد غسل النصف العلوي يترك الماء ليتخذ سبيله إلى الأرض لا إلى موضع العورة (لم يرد في السنة ما يمنع استخدام ماء زمزم في أي غرض, وهذا لا ينفي قداسته أو مكانته الخاصة لدى المسلمين, فماء زمزم (لما شرب له) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

فوق جبل عرفات

ويشير بيتس إلى أهمية (الميقات والمكان) اللذين يصبح فيهما المسلم (حاجا حقيقيا)...حيث يتوجه المسلمون بملابس الإحرام في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة إلى جبل عرفات, وقد سمي بهذا الاسم لأن آدم قد تعرف فيه مرة أخرى على حواء, ويزعمون أن حواء مدفونة في جدة! ويضيف بيتس: (...ويصلي المسلمون الذين يصلون مكة عن طريق البحر الأحمر - ركعتين عند قبرها, ولم أملك إلا الابتسام عند سماعي حكاياتهم, فقد لاحظت أنهم وضعوا حجرًا عند رأسها, وحجرًا آخر عند قدميها, وبين الحجرين مسافة طويلة تقرب من رمية سهم, وفي الوسط مصلى صغير, حيث يصلي الحجاج.

وجبل عرفات ليس ضخما ضخامة تجعله يستوعب الأعداد الهائلة من الحجاج الذين لا يقلون - كما يقال - عن سبعين ألفا كل عام, وفي اليوم التاسع من شهر ذي الحجة يعوض الله هذا العدد بملائكة من عنده ينزلون على هيئة بشر - إن كان عدد الحجاج أقل من العدد آنف الذكر! لقد كان عدد الحجاج في عرفات كثيرا جدا, لكنني لا أظنه يصل إلى سبعين ألف حاج. وثمة أحجار دالة تحيط بالجبل لتحديد حدود ما يسمى عرفة أو عرفات, وتعتري الحماسة بعض الحجاج فيأتون إلى هنا قبل الميقات وينصبون خيامهم, منتظرين يوم عرفة أو يوم الوقفة. ولم أر فوق عرفات أي معالم يمكن وصفها, إلا قبة صغيرة فوق الجبل. لقد كان مشهدا يخلب اللب حقا أن ترى هذه الآلاف المؤلفة في لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا, برءوسهم العارية, وقد بللت الدموع وجناتهم, وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة

 في منى

وفي منى ينصب الحجاج خيامهم, فثمة سهل واسع, ويقضون يوم عيد الأضحى, وبعد ذلك يذهب كل حاج في اليوم الأول ليرمي سبع جمرات على العمود الأول, ويقصدون بهذا رجم الشيطان وأفعاله, لأنهم يقولون أثناء الرجم: (إنني أرجم الشيطان وحزبه), وثمة عمودان آخران متقاربان يرجمون أحدهما في اليوم الثاني, والآخر في اليوم الثالث, وأثناء توجهي للرجم قابلني حاج وقال: (لابد أن ترجم بسرعة من فضلك, لأنني قد فقأت عيني الشيطان لتوي ويجب أن تلاحظ أن أهل البلاد يجلبون إلى هذا المكان قطعانًا كثيرة من الأغنام لبيعها, فيشتري كل حاج خروفًا ويضحي به, ويقدمون بعض أضحياتهم لأصدقائهم وبعضها للفقراء, ويأكلون ما تبقى, وبعد ذلك يحلقون رءوسهم ويخلعون لباس إحرامهم ويلبسون ملابس أخرى ويحيي بعضهم بعضا قائلين: (عيدكم مبارك), ويتبادلون القبلات! ويقضون هذه الأيام الثلاثة في فرح واحتفالات, ويصبح الليل نهارا بسبب وفرة المصابيح المضاءة, ويطلقون البنادق, وتمتلئ السماء بالألعاب النارية, لأنهم يعتقدون أن كل ذنوبهم قد ذهبت أدراج الرياح, وأنهم - إذا ماتوا - دخلوا الجنة مباشرة (بغير حساب) - إذا لم يرتدوا عن دينهم - وخلال الأيام الثلاثة التي يقضونها في منى - يفكر الواحد منهم, إذا لم يكن واهنا ضعيفا, في زيارة الكعبة مرة واحدة على الأقل. إنهم يشدون الرحال إلى هناك بحماس فائق لإلقاء نظرة جديدة على بيت الله الحرام, فإذا ما رأوه انفجرت عيونهم بدموع الفرح, وبعد الطواف والصلاة يعودون ثانية إلى منى وبعد انتهاء أيام عيد الأضحى الثلاثة  يعودون جميعا حاملين خيامهم إلى مكة مرة أخرى. ويقال إنه بعد مغادرة الحجاج منى إلى مكة ترسل السماء زخات من المطر لغسل القذر والروث المتبقي من ذبح الأضاحي, كما تأتي الملائكة لتحمل الحصى (الجمرات) التي رمى بها المسلمون رمز الشيطان, وتعيدها إلى أماكنها قبل موسم الحج التالي. وبعد العودة لمكة, يمكثون هناك زهاء عشرة أيام أو اثني عشر يوما, حيث تعقد سوق كبيرة تباع فيها كل بضائع الهند, كما تباع فيها أحجار كريمة للخواتم والأساور....إلخ, المجلوبة من اليمن, وكذلك بضائع الصين والمسك وغيرها من الأشياء الغريبة, إنه الوقت الذي ينشغل فيه الحجاج بالشراء لأنهم يعتقدون أنه من الأمور غير الشرعية أن ينشغلوا بالبيع والشراء قبل إتمام الفريضة. ويقوم كل حاج الآن بشراء (كفن), وهو عبارة عن قطعة كتان رقيقة ليكفن فيها, وهم يغمسونها في ماء زمزم, وتلك ميزة قد لا تتاح لهم في الجزائر أو غيرها, ويحرصون على حمل هذا الكفن معهم أينما ذهبوا, بحرا أو برا, فإذا ماتوا كفنوا به. وفي المساء السابق لمغادرة مكة المكرمة, لابد من طواف الوداع, فيدخل المرء من باب السلام, فيطوف قدر ما يستطيع وبعض الناس يظلون يطوفون حتى يعتريهم التعب (طواف الوداع, كطواف القدوم, كطواف دخول المسجد: سبعة أشواط) وتفيض عيونهم بالدمع لأنهم يودعون بيت الله, ويبدون حقيقة غير راغبين في مفارقته, ويشربون من ماء زمزم حتى الامتلاء, ويتراجعون إلى باب الوداع ووجوههم صوب بيت الله, وباب الوداع هذا مواجه لباب السلام. وعند خروجهم من باب الوداع, يعقدون أيديهم تجاه بيت الله, فمن غير اللائق أن يولوا ظهورهم للبيت عند الوداع, ويظلون في حال بكاء وهم يدعون ويتوسلون إلى الله حتى يصلوا بيوتهم. ويحدثنا بيتس عن أنهم دفعوا أموالا كثيرة لاستئجار جمال النقل لدى مغادرتهم مكة, في طريقهم إلى المدينة المنورة, خمسة أو ستة جنيهات استرلينية للجمل الواحد, (كما لو كنا نستأجره من مكة إلى مصر)! ويحضر (الجمالة) عددا احتياطيا من الجمال, حيث وعورة الطريق تؤدي إلى موت كثير منها, فإذا سقط جمل أثناء الطريق, فإنه يفقد قدرته على مواصلة السير, فيرفعون عنه حمله ثم يذبحونه فيأكل لحمه الفقراء في القافلة, (...وقد أكلت أنا نفسي لحم الجمل فوجدته حسن المذاق ومفيدا للصحة)!... ثم حدثنا بيتس عن اليوم الأول لخروجهم من مكة, وقد سادت القافلة حال من الهرج والمشاحنات وعدم النظام, إلى أن انتظمت الأمور حتى وصولهم إلى القاهرة, وعن ترتيب القافلة, يقول بيتس: (وهم يجعلون أربعة جمال في المقدمة ويربطون بعضها ببعض والحملة تتكون قطارا  ويسمون الحملة كلها قافلة, فالقافلة إذن مقسمة إلى قطارات, ولكل قطار اسمه, وهو يتكون من آلاف الجمال, ويسير كل قطار وراء قطار آخر, وكأنهم في حملة عسكرية, وعلى رأس كل قطار قائد مسئول يجلس في تختروان يحمله جملان, أحدهما أمام الآخر, والتختروان مغطى بقماش شمعي وفوقه قماش سميك, وإن كانت زوجة هذا القائد معه جعلوا لها هي الأخرى تختروان على شاكلة تختروان زوجها, وعلى رأس كل قطار جمل يحمل أموالها (كنوزها), ويضعون لهذا الجمل جرسين, جرس على كل جانب من جانبيه, وهو - أي الجرس - في ضخامة جرس السوق عندنا, بحيث إن صوته يسمع من مسافة بعيدة. وثمة جمال أخرى يضعون حول رقبتها أجراسا, وبعضها حول أرجلها, كتلك الأجراس التي يضعها الحمالون عندنا حول رقاب خيول المقدمة, فتظل هذه الأجراس تدق طوال الليل بالإضافة للأجراس التي يحملها السائرون على الأقدام والجمالون, ويكون لرنينها صوت محبب يجعل الرحلة تمضي بهيجة. وهم يقولون إن هذه الموسيقى تجعل الجمال نشطة, وبهذه الطريقة تسير الأمور منتظمة حتى يصلوا إلى القاهرة, ودون هذا الانضباط يمكنك أن تتصور الفوضى التي يمكن أن تحدث لهذه الجموع الهائلة.

مجلة العربي الكويتية العدد 554