الثلاثاء، 5 نوفمبر 2024

ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل وواقعنا اليوم يُصَدِقُ هذا المثل ومن عَثْمَة بنت مَطْرودٍ العربية الجاهلية لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي

ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل

وواقعنا اليوم يُصَدِقُ هذا المثل ومن عَثْمَة بنت مَطْرودٍ العربية الجاهلية لنا مثل

هل لنا أن نقول إن مضامين الرجولة قد ضاعت هذه الأيام والرجولة صفة امتن به الله ، يمتن الله بها على من يشاء من خلقه، كما قال ذلك الرجل المؤمن الذي يعلم صاحبه الكافر، يقول له موبخاً ومقرعاً، ومذكراً له بنعم الله عليهأَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلً .اسورة الكهف:37، هذه الرجولة التي يمتن الله وينعم بها .

ومن البلاء الذي نعيشه أن الحرمات قد ضاعت يكفيك ما تشاهده في أسواقنا ، لا بل إن المخيمات التي لا يحصل على بيت فيها إلا ذو الحظ أفقدت الحرمات مضامينها .

ذكر أن أول من نطق بهذا المثل عَثْمَة بنت مَطْرودٍ البُجَيْلِيَّة وكانت ذات عقل ورأى مُستَمع في قومها. وكانت لها أخت يقال لها خَوْد، ذات جمالٍ وعقل. وإنّ سبعة أخوةٍ من بني عامد، بطن من الأزْد، خطبوا خَوْداً إلى أبيها، أتوه وعليهم الحُلل اليمانية وتحتهم النجائِب، فقالوا نحن بنو مالك بن عقيلة ذي النحيين. فقال لهم انزلوا الماء. فباتوا على الماء ليلتهم، ثم أصبحوا غادين في تلك الحُلل والهيئة ومعهم ربيبة لهم يقال لها الشعثاء كاهنة، فمروا بوصيدها يتعرَّضون لها وكلهم وسيم جميل. وخرج أبوها فجلسوا إليه فرحَّبَ بهم فقالوا: بلغنا أن لك ابنة ونحن شباب كما ترى، كلنا نمنع الجانب، ونمنح الراغب فقال أبوها: كلكم خيار. فأقيموا نر رأينا. ثم دخل على بنته فقال: ما ترين؟ فقد أتاك هؤلاء القوم. فقالت أنكِحني على قدري ولا تُشطِط في مهري، فإن تخطئني أحلامُهم لا تُخطئني أجسامهم، لعلّي أصيب ولداً وأُكثِر عدداً. فخرج أبوها فقال: أخبروني عن أفضلكم. قالت ربيتهم الشعثاء الكاهنة: اسمع أُخبرك عنهم. هم إخوة، كلهم إسوة، أما الكبير فمالك، جريء فاتك، يتعب السنابك، ويستصغر المهالك، وأما الذي يليه فالغَمْزُ، بَحْر غَمْرُ، يقصر دونه الفَخْر، نَهْدٌ صَقْرٌ. وأما الذي يليه فعلقمة، صليب المعجمة، منيع المَشْتَمة قليل الجمجمة. وأما الذي يليه فعاصم، سيد ناعم، جَلْدٌ صارم، أبيّ حازم، جيشه غانم، وجارُه سالم. وأما الذي يليه فثواب، سريع الجواب، عتيد الصواب، كريم النِصاب، كَلَيْثِ الغاب. وأما الذي يليه فمُدْرِك، بذولٌ لما يملِك، عزوفٌ عما يترك، يُغني ويُهلك، وأما الذي يليه فحَنْدَل، لِقرْنه مجدِّل، مُقلّ لما يحمل، يعطي ويبذل، وعن عدوّه لا ينكل. فشاورت أختها فيهم، فقالت أختها عثمة: ترى الفتيان كالنخل وما يُدريك مالدخْلُ. اسمعي مني كلمة، إن شرّ الغريبة يُعلن وخيرها يُدفَن أنكحي في قومك ولا تغرُرْك الأجسام. فلم تقبل منها. وبعثت إلى أبيها أنكحني مُدركاً. فأنكحها أبوها على مائة ناقة ورُعاتها. وحملها مدرك فلم تلبث عنده إلا قليلاً حتى صبحتهم فوارس من بني مالك بن كنانة فاقتتلوا ساعة، ثم إن زوجها وإخوته وبني عامد انكشفوا فسَبوها فيمن سَبوا. فبينا هي تسير إذ بكت فقالوا: ما يُبكيكِ؟ أعلى فراق زوجك؟ قالت: قبّحه الله جمالاً لا نفع معه. إنما أبكي على عصياني أختي، وقولها: ترى الفتيان كالنخل وما يُدريك ما الدخل. وأخبرتهم كيف خطبوها. فقال لها رجل منهم يُكنى أبا نُواس، شابٌ أسودْ، أفوَه مضطّرب الخَلْقِ: أترضين بي على أن أمنعك من ذئاب العَرَب؟ فقالت لأصحابه: أكذلك هو؟ قالوا نعم. إنه مع ما ترين لمنيع الحليلة، وتتّقيه القبيلة. قالت: أجمل جَمالٍ، وأَكملُ كمالٍ. قد رضيتُ به. فزوّجوها إياه.

قال الشاعر :

ترى الفتيان كالنخل ... وما يدريك ما الدخل

وكل في الهوى ليث ... وفيما نابه فسل

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ـــــــــــــــــ

فصل المقال في شرح كتاب الأمثال – البكري الأندلسي (ص: 195)

مجمع الأمثال – الميداني (1/ 137)

الفاخر – ابن عاصم (ص: 156)


الدَّخْل: العَيْبُ الباطن - التَّارِزُ: اليابِسُ الذي لا رُوحَ فيه -العثم: جبر الْعظم على غير اسْتِوَاء - الفره : الجيد النشيط من الدواب -الصليب : الشديد - الربيبة الحاضنة - النصاب : الأصل الكريم - جدله : صرعه والجدالة الأرض - الوصيد : الفناء

ينكل : يجبن - الغمر : معظم البحر - النهد : الأسد الكريم - قليل الجمجمة : قليل الكلام – الفسل من الرجال الندل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق