الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

فوت الفرصة يورث الحسرة وكم من فرص فاتتنا لو اغتنمناها ، لما وصلنا لما نحن فيه ومن حكايا التاريخ لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

فوت الفرصة يورث الحسرة

وكم من فرص فاتتنا لو اغتنمناها ، لما وصلنا لما نحن فيه

ومن حكايا التاريخ لنا مثل

الفرصة الظرف المناسب للقيام بعمل ما والفُرص لا تنتظر أحدًا ، وقالوا : بادِرِ الفُرْصة قبل أَن تكون غُصّة ، أما الحسرة: هي بلوغ النهاية في التلهف حتى يبقى القلب حسيرًا لا موضع فيه لزيادة التلهف . وأشد الحسرة يوم لقاء الله جلّ جلاله : أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾ سورة الزمر . تزعم المجوس أنّ أهرمن، وهو إبليس، لمّا جلس في مجلسه في أوّل الدهر ليقسّم الشّرّ والسّموم- فيكون ذلك عدّة على مناهضة صاحب الخير إذا انقضى الأجل بينهما، ولأنّ من طباعه أيضا فعل الشر على كلّ حال- كانت العظاءة – سحلية صغيرة تشبه أبو بريص - آخر من حضر، فحضرت وقد قسم السمّ كلّه، فتداخلها الحسرة والأسف. فتراها إذا اشتدّت وقفت وقفة تذكّر لما فاتها من نصيبها من السّم، ولتفريطها في الإبطاء حتى صارت لا تسكن إلّا في الخرابات والحشوش ؛ لأنها حين لم يكن فيها من السّم شيء لم تطلب مواضع الناس كالوزغة التي تسكن معهم البيوت، وتكرع في آنيتهم الماء ولذلك نفرت طباع النّاس من الوزغة، فقتلوها تحت كلّ حجر، وسلمت منهم العظاءة تسليما منهم. والعظاءة لم يكن ليعتريها من الأسف على فوت السمّ

حدث الفضل بن باهماد السيرافيّ قال لي رجل من بعض بياسرة بلاد الهند، والبيسر: هو المولود على ملّة الإسلام في بلاد الهند، أنّه كان في بلد من بلاد الهند، وكان فيه الملك حسن السيرة، وكان لا يأخذ مواجهة، ولا يعطي مواجهة، وإنّما يقلب بيده إلى وراء ظهره، فيأخذ ويعطي بها، توفي، فوثب رجل على ملكه، فاحتوى عليه، وهرب ابن كان له، يصلح للملك، خوفا على نفسه من المتغلّب. فحكى عن نفسه، أنّه مشى ثلاثة أيام، قال: ولم أطعم طعاما، ولم يكن معي فضّة ولا ذهب، فأبتاع به مأكولا، قال: فجلست على قارعة الطريق، وإذا برجل هنديّ، مقبل، على كتفه كارة، فحطّها، وجلس حذائي. فقلت: أين تريد؟

فقال: الجدام الفلاني. ومعنى الجدام: الرستاق. فقلت له: هذا الجدام الفلاني أريد اصطحابك . قال: نعم. فطمعت أن يعرض عليّ شيئا من مأكوله، قال: فحلّ الكارة، وأكل، وأنا أراه، ولم يعرض عليّ، وأنفت أن أبتدئه بالسؤال. وقام يمشي ، فمشيت معه، وتبعته، طمعا في أن تحمله الإنسانية والمؤانسة على العرض ، فعمل بالليل، كما عمل معي بالنهار. قال: وأصبحنا من غد، ومشينا، فعاملني بمثل ذلك، وظلّ على هذا سبعة أيام، لم أذق شيئا. فأصبحت في اليوم الثامن، ضعيفا، لا قدرة لي على الحركة، فرأيت جداما في حاشية الطريق، وقوما يبنون، وقيّما عليهم، يأمرهم. قال: ففارقت الرجل، وعدلت إلى الوكيل، فقلت: استعملني بأجرة تعطنيها عشيا، مثل هؤلاء. فقال: نعم، ناولهم الطين. قال: فكنت آخذ الطين، فلعادة الملك، أقلب يدي إلى ظهري ، وأعطيهم الطين، فكما أذكر أنّ ذلك خطأ عليّ يسبّب سفك دمي، أبادر بتلافي ذلك، فأردّ يدي بسرعة، قبل أن يفطنوا بي. قال: فلمحتني امرأة قائمة، فأخبرت سيدها بخبري، وقالت: لا بدّ أن يكون هذا من أولاد الملوك. قال: فتقدّم إليها، بحبسي عن المضيّ مع الصنّاع، فاحتبستني، وانصرف الصنّاع. فجاءني بالدهن والعروق، لأغتسل بهما، وهذه مقدمة إكرامهم، وسنّة لإعظامهم، فتغسّلت بذلك. فجاءوني بالأرز والسمك، فطعمت. فعرضت المرأة نفسها عليّ للتزويج، فعقدت عليها، ودخلت بها من ليلتي، وأقمت معها أربع سنين، أربّ  حالها، وكانت لها نعمة. فأنا يوما، جالس على باب دارها، فإذا أنا برجل من بلدي، فاستدعيته، فجاءني. فقلت له: من أين أنت؟ قال: أنا من بلد كذا وكذا، وذكر بلدي.

فقلت: ما تصنع هاهنا؟ فقال: كان فينا ملك حسن السيرة، فمات، ووثب على ملكه رجل ليس من أهل بيت الملك، وكان للملك الأوّل ابن يصلح للملك، فخاف على نفسه، فهرب، وإنّ المتغلّب أساء عشرة رعيته، فوثبوا عليه، فقتلوه، وانبثثنا في البلدان نطلب ابن ذلك المتوفّى، لنجلسه مكان أبيه، فما نعرف له خبرا. قال: فقلت له: تعرفني؟ قال: لا. فقلت: أنا طلبتكم. قال: وأعطيته العلامات، فعلم صحّة ما قلت له، فكفّر لي. قلت: اكتم أمرنا، إلى أن ندخل إلى الناحية. فقال: أفعل. قال: فدخلت إلى الامرأة، وأخبرتها الخبر، وحدّثتها بالصورة، وبأمري كلّه. وأعطيتها الصدرة، وقلت: فيها كذا، ومن حالها كذا، وأنا ماض مع الرجل، فإن كان ما ذكره صحيحا، فالعلامة أن يجيئك رسولي، ويذكر لك الصدرة، فانهضي معه، وإن كانت مكيدة، كانت الصدرة لك. قال: ومضى مع الرجل، وكان الأمر صحيحا، فلما قرب من البلد، استقبلوه بالتكفير، وأجلسوه في الملك، وأنفذ إلى الزوجة من حملها، وجاءت إليه. فحين اجتمع شمله، واستقام ملكه، أمر فبنيت له دار عظيمة، وأمر أن لا يجتاز في عمله مجتاز، إلّا حمل إليها، ويضاف ثلاثة أيّام، ويزوّد لثلاثة أيّام أخر. وكان يفعل ذلك، وهو يراعي الرجل الذي استصحبه في سفره، ويقدّر أن يقع في يده. وأراد أن يبني الدار شكرا لله تعالى، على الخلاص ممّا كان فيه، وأن يكفي الناس المؤونة التي كانت لحقته. فلما كان بعد حول، استعرض الناس، قال: وقد كان يستعرضهم في كل شهر، فلا يرى الرجل، فيصرفهم. فلما كان ذلك اليوم، رأى الرجل بينهم، فحين وقعت عليه عينه، أعطاه ورقة تنبول ، وهذه علامة غاية الإكرام، ونهاية رتبة الإعظام، إذا فعله الملك بإنسان من رعيته . قال: فحين فعل الملك بالرجل ذلك، كفّر له، وقبّل الأرض، فأمره الملك بالنهوض،ونظر إليه، فإذا هو ليس يعرف الملك، فأمر بتغيير حاله، وإحسان ضيافته، ففعل، ثم استدعاه. فقال له: أتعرفني؟  قال: وكيف لا أعرف الملك، وهو من حاله، وعظم شأنه، وعلوّ سلطانه. قال: لم أرد هذا، أتعرفني، من قبل هذه الحال؟ قال: لا. قال: فأذكره الملك الحديث والقصّة، في منعه الطعام سبعة أيام في السفر. قال: فبهت الرجل. وقال: ردّوه إلى الدار، وونّسوه ، وزاد في إكرامه، وحضر الطعام، فأطعم الرجل، فلما أراد النوم، قال الملك، لامرأته: امضي فغمّزيه ، حتى ينام. قال: فجاءت المرأة، ولم تزل تغمّزه، إلى أن نام، فجاءت إلى الملك، وقالت: قد نام. فقال: ليس هذا نوما، حرّكوه، فحرّكوه فإذا هو ميت. قال: فقالت له المرأة: أيش هذا؟ قال: فساق إليها حديثه معه، وقال: وقع في يدي، فتناهيت في إكرامه، والهند لهم كبود عظام، وتوهّمهم هو المعروف المتعالم عنهم، فدخلت عليه حسرة عظيمة، إذ لم يحسن إليّ ذلك الوقت، فقتلته الحسرة.

والحق إن الحسرة تكاد تقتل الكثير لمواقف لو أحدثوها لما وصل بنا الأمر لما نحن فيه

يا رب عليك بمن تسبب في بلائنا

يا رب فرج عن الشام وأهل الشام

ـــــــــــ

البيان والتبيين (3/ 308)    

الحيوان (6/ 564)

الرسائل السياسية (ص: 77)

مفيد العلوم ومبيد الهموم (ص: 376)

نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (8/ 211)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق